المخيّم وبيّاع الجرايد
بقلم: كامل النصيرات
منذ باع أبي بيتنا
في مخيم البقعة أجزم أن بوصلتي قد ضاعت.. و صرتُ أمرّ بالمخيّم مرور الكرام.. فالبقعة
مسقط رأسي.. و ليست أي مسقط رأس.. ولدتني أمّي في (براكيّة الزينكو) على (المصرف) تماماً..
و إذ كانوا يقولون (ولد فلان وفي فمه ملعقة من ذهب) فإنني أتفشخر بالقول (ولدتُ وفي
فمي صحن من الوحل).. فلم يكن لدينا ملعقة.. بل كانت رمزاً من رموز البرجزة.. !!
ها أنا أعود اليوم
إلى مخيم البقعة.. لا لحضور عزاء ولا لحضور عرس كما اعتدتُ منذ عشرين عاماً.. بل أعود
إليه صحفيّاً أديباً.. بل كاتباً برتبة ساخر.. بعد أن رتّب الاستاذ جمعة صالح النصيرات
أمسيتي الساخرة في منتدى البقعة الثقافي الساعة الرابعة والنصف اليوم.
هي البقعة.. أو
هو المخيّم.. هنا كنتُ أشقى.. وهنا كنتُ أقضي الصيف بطوله وعرضه.. هنا كنت ذلك الولد
الذي باع الجرايد كل فجر في شوارعها وحواريها وحسبتها القديمة (لا أعرف إن صار هناك
حسبة جديدة).. هنا في المخيم بعتُ (البلالين) والقشطة بعسل.. هنا كان (كامل النصيرات)
يتشكّل بداخلي وكانت الثورة تأخذ مجراها.. فلا يوم يمر بلا فلسطين ولا سيرة تفتح بلا
كلمة شهيد.. !!
لستُ أخاف من مواجهة
الجمهور فأكثر من ربع قرن وأنا وسط الجماهير بكافة أشكالها وأنواعها.. ولكنني هناك
أخشى من مواجهة نفسي.. أخشى ألاّ يستمع إليّ الولد الذي ضيّعته هناك.. أخشى أن يصفّق
لي الجميع بينما هو ينتبذ مكاناً قصيّاً ويمدّ لسانه إلي ويتمادى ويبصق عليّ قائلاً
لي: لماذا هجرتني.. ولا تأتي إلا بعزومة..؟؟!
هو المخيم.. وأنا
ذلك الولد ابن البراكيّة.. وبيّاع الجرايد الذي صار يكتب بالجرايد.
المصدر: جريدة
الدستور الأردنية
|