اللاجئون الفلسطينيون في العراق.. تهجير على التهجير!
الإثنين، 12 كانون الأول، 2011
لا يُورِّثُ الفلسطيني لأولاده في
المهجَر سوى «المَهجَر». وذاكرة من التراجيديا مُعمَّدة بصورة مفتاح بيت سَرَقه
غاصبون. مَنْ رحِّلُوا من حيفا أو يافا أو الناصرة تخفّفوا ما أمكن من «الطّرش»
والأمتِعة مقتصرين في حمولتهم على الحُلِيّ والذهب آملين في الرجوع كَرّاً بعد
أسبوع لا أكثر. لكن الحال اقتضى أن يمر ستون عاماً على هجرتهم القسرية دون أمل.
في تلك الأثناء كانت الحرب العالمية
الثانية قد وضعت توّاً أوزارها. وكانت أقدام وينستون تشرشل وجوزيف ستالين
وفرانكلين روزفلت على رقبة الرايخ الثالث المُحطّم في ألمانيا النازية يشاهدها
العالَم. وكانت رِجْل شارل ديغول على صدر فيليب بيتان في فرنسا. ورِجْل العقيد
فاليريو على جثة بينيتو موسوليني في إيطاليا.
وكان الأمل في الديمقراطية وإحقاق
الحقوق للناس قد وصل مداه. فكان عديد من الفلسطينيين جرّاء ذلك يُؤمّلون على عدالة
الحلفاء المنتصرين في الحرب، وعلى قوّة المادة 8 من اتفاقية جنيف الرابعة التي
تقول «يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للسكان داخل الأراضي المحتلة أو
خارجها» لكن شيئاً من ذلك لم يحصل. وكما غَدَر الحلفاء بهم بَارَت سطوة القانون
أمامهم.
اليوم وبعد مضي أزيد من ستين عاماً على
النكبة يعيش الفلسطينيون في مَهجَرَيْن. مهجر الداخل ومهجر الخارج. في الداخل
يعيشون في سبعة عشر مخيّماً في الضفة الغربية، هي: عروب، بيت جبرين، عايدة، شعفات،
الدهيشة، عقبة جابر، عماري، دير عمار، عين السلطان، بلاطة، الجلزون، نور يزيّف،
عسكر، طولكم، جنين، فارعا ومخيّم رقم واحد. ويعيشون في ثمانية مخيّمات في قطاع
غزّة، هي: البريج، جباليا، النصيرات، الشاطئ، دير البلح، خان يونس، رفح والمغازي.
وفي مهجر الخارج، يعيشون في عشرة
مخيمات بالأردن، هي: عمّان الجديد، جرش، البقعة، ماركا، الحصن، سوف، إربد،
الطالبية، جبل الحسين والزرقاء. وفي عشرة مخيمات في سوريا، هي: قبر عزّت، نيراب،
حماة، خان دنون، درعة، سبينه، خان عيشه، درعة (طوارئ)، حمس وجرمانا. وعشرة مخيمات
في لبنان أيضاً، هي: مار إلياس، البداوي، دباية، برج الشمال، الرشيدية، عين
الحلوة، برج البراجنة، وافيل، شاتيلا، ألباس ونهر البارد.
بالتأكيد فإن تلك الأماكن تُؤوي القسم
الأكبر من اللاجئين، لكن الأعداد الأخرى منهم باتت مُوزّعة على أكثر من 46 دولة في
مختلف دول العالَم. وظروفهم تختلف سواء في المخيّمات أو فيما خصّ أوضاعهم في
البُلدَان، لكن المتعارف والأكيد هو أن لاجئي سورية يعيشون حياة جيدة من حيث
الحقوق العامة والخاصة كما تُؤكّد ذلك الأونروا والمنظمات الدولية الأخرى مقارنة
بمخيّمات الدول العربية الأخرى.
السؤال المطروح الآن وفي ظلّ هذه
المأساة الإنسانية هو: كيف هي أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في أماكن منسية من
العالَم العربي... وأقصد بذلك أوضاعهم في العراق؟ فالوجود الفلسطيني هناك مضى عليه
أزيد من اثنين وستين عاماً. وهو حديث استثنائي للاجئين استثنائيين.
ورغم أن أوضاعهم (أي الفلسطينيين) في
ظلّ حكم حزب البعث لم تتحسّن إلاّ في العام 2001 حين أصدر مجلس قيادة الثورة
قراراً رقم 202 بمعاملة الفلسطيني معاملة العراقي في الحقوق والواجبات باستثناء
الجنسية والحقوق السياسية، إلاّ أن أوضاعهم بعد الاحتلال وصلت إلى حدّ الدّم
والتهجير على التهجير، ثم إلى وضع الفلسطينيين موضع اللاجئين السياسيين.
هنا لا أريد أن أتحدّث عن عمليات القتل
والتهجير كحوادث بعينها جرت للفلسطينيين في العراق، سواء ما جرى لهم في نهاية
مارس/ آذار 2006 أو في الرابع عشر من أغسطس/ آب 2007 إن كان من «القاعدة» أو
الميليشيات المسلّحة أو من قِبل مغاوير الداخلية حتى، لأنها حوادث ضائعة المصير
والأداة والأهداف معاً، إلاّ أن المهم من كلّ ذلك هو معالجة أوضاع 13467 لاجئاً
فلسطينياً في العراق (الرقم مأخوذ من تصريح لرئيس اللجنة الدائمة للاجئين، ووكيل
وزير الداخلية عدنان الأسدي في صحيفة «الصباح» بتاريخ 25 أبريل/ نيسان 2009).
إن ضياع حقوق أيّ فلسطيني مسئولية
أخلاقية وإنسانية وقومية. وهم بالتأكيد خارج معادلات الصراع السياسي العراقي. وإذا
كان أفراد منظمة مجاهدي خلق في معسكر أشرف يحظون بحماية أميركية وبحق حمل سلاح شبه
ثقيل، رغم أن وجودهم معروف في العراق، فإن الفلسطينيين ليس لديهم مشروع سوى العودة
إلى بلدهم الأصلي، وهم غير متورّطين في أحلاف الإقليم.
إذا كنا نتحدث عن مسئولية مُحتل أميركي
في العراق فعليه أن يُراعي جميع الواجبات المنوطة به كمحتل بحق الحجر والمدر هناك
طبقاً لاتفاقية جنيف. وإذا كنا نتحدث عن مسئولية الحكومة العراقية فإن الأمر يُصبح
أوجب، على اعتبار أن الأمر تتداخل فيه قضايا قومية بالإضافة إلى العامِل الإنساني
تخص مواطنين عرباً.
لا أحد يريد من الحكومة العراقية اليوم
مزيداً من البطولات القومية سواء فيما خصّ الموقف من قوافل البحر الخارقة لحصار
غزّة، أو الاعتداءات الصهيونية على القطاع، أقصى ما يُراد منها هو إنصاف اللاجئين
الفلسطينيين على أرضها. ومَنْ كان على هذه قادراً فعلى غيرها سيكون أقدر
بالتأكيد...
المصدر: العراق للجميع
|