المفاوض الفلسطيني أمام الامتحان
كرمى لعيون تل أبيب تريق واشنطن ماء الوجه.
تتجاهل كل ما يتعلق بالآخر أو تعطيه جرعة لفظية، وفي أحسن الأحوال تمحضه قيمة
ثانوية يستحيل صرفها في سوق السياسة.
وعندما يرتفع صوت عربي أو أجنبي مطالباً الكيان
الصهيوني بالكف عن الاستهتار بعقول البشر، ناهيك عن أحاسيسهم وحقوقهم، تفقد
العاصمة الأميركية قدرتها على الرؤية الموضوعية وتنسى المبادئ التي «تبشر» بها
وتتنصل من العهود التي «تلتزمها».
أما عندما يكون الطرف الآخر فلسطين، فلا تتردد
واشنطن في الكشف عن وجهها الكالح ومعاداة الفلسطينيين والضغط عليها لحملهم على
إنكار حقوقهم ومعاكسة مصالحهم والرضوخ للاحتلال والترحيب بمستعمراته، التي تتمدد
يوماً بعد يوم لتجعل من الدولة الفلسطينية مجرد حلم بائس داخل كيان عنصري عادته
التوسع والإرهاب.
وفي هذا السياق، لا ترى الإدارة الأميركية ضرورة
لمخاطبة الرأي العام العربي أو تقديم مبررات لمحاباة الموقف الإسرائيلي. فإذا كانت
هي نفسها تذعن أمام نتنياهو كلما اختلفت معه فمن باب أولى ان يكف العرب،
والفلسطينيون خاصة، عن التذمر أو المجادلة.
في موضوع المفاوضات، تغادر واشنطن موقع الوسيط المفترض
وتتحول إلى شريك كامل لإسرائيل يطلب من الفلسطيني أن يقبل باستمرار المفاوضات، وإن
كانت طبخة بحص، وإن كانت بدون مرجعية أو بدون أي نتيجة تذكر سوى توفير مظلة سياسية
تساعد الاحتلال على متابعة عملية التهويد والمجتمع الدولي على متابعة منهجية
الخداع.
فالمهم لدى واشنطن، ليس ما تعهد به اوباما أو من
قبله جورج بوش بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، بل المهم ما تريده تل أبيب وما
يصوغه أولاد كيسنجر من عبارات معسولة يرددها سيد البيت الأبيض ومعاونوه أمام أجهزة
الإعلام والضيوف القادمين من العواصم العربية.
أما إذا حاول المفاوض الفلسطيني الترجل من مركبة
المفاوضات الوهمية، وتجرأ على الخديعة التي تعصر عظامه فتهمة الإرهاب جاهزة للضغط
عليه، وإن كان هذا الفلسطيني ضحية يومية للحراب الصهيونية أو على خلاف مع كل
الجهات التي تتهمها واشنطن بالإرهاب.
أما المبتئس الآخر من نزوع الفلسطيني إلى تهميش
المفاوضات وطرح فضيحتها على المنابر الدولية فهو النظام العربي السائد المتدثر
بعباءة المفاوض الفلسطيني، المنهمك بنشر ثقافة التهويل والتنصل.. التهويل بقوة
العدو وعجز العرب عن مقاومته، والتنصل من المسؤولية التاريخية تجاه القدس والأراضي
المقدسة.
أما الشعب الفلسطيني، الذي يقاوم منذ مئة عام
أعتى أشكال العنصرية والاستعمار، ويعاني الأمرين من إجحاف الأخ والقريب، فهو يدرك
اليوم، ومعه ملايين الأنصار على امتداد الأرض العربية والعالم، ان لا جدوى من
المفاوضات إذا لم تكن امتداداً للمقاومة، وأن لا معنى للعروبة إذا لم تكن القدس
نبضها وقلبها.
وبعد ليس غريباً ان يقف بنيامين نتنياهو في
واشنطن مزهواً بالتأييد الاميركي المطلق، وإنما الغريب ان يتصرف النظام العربي
السائد وكأنه موضع حفاوة وتكريم كلما استقبله بالاحضان سيد البيت الأبيض.
جريدة السفير،26/09/2011
|