كثرت في الساحة اللبنانية الندوات والحوارات والتصاريح السياسية المتناقضة في شأن الحقوق الإنسانية والمدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك لعدة اعتبارات سياسية وديموغرافية وطائفية.. واجتمع المجلس النيابي، وطلبت لجنة الإدارة والعدل مهلة ثانية لدراسة متأنية لمشروع إقرار الحقوق الفلسطينية في لبنان. والفلسطينيون ينتظرون اليوم جلسة 17 آب (أغسطس) للوقوف على الرأي النهائي للمجلس النيابي اللبناني في مسألة إقرار هذه الحقوق..
أعداء العودة وأصدقاء التوطين
لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أن توفير الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان يهدف حسب المشروع الأمريكي والأوروبي والرسمي العربي (المبادرة العربية للسلام في عام 2002) وموقف السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى تحريك ملف قضية اللاجئين الفلسطينيين لإعادة تأهيل الفلسطيني ووضعه، إما باتجاه دمجه في المجتمع اللبناني أو دمجه في مَهاجر جديدة، وهذا جزء من اتفاقيات التسوية.
ثانياً لا بدّ من الإقرار بأن للفريق المذكور، أعني به الفريق الذي يسعى إلى توطين اللاجئين في لبنان ولو بمسميات أخرى، أدواته في المجتمع المحلي اللبناني والفلسطيني من رموز وأحزاب ومؤسسات أهلية ومؤسسات مجتمع مدني..إلخ، وهي تُشكّل فريق عمل يتوزع بين الأهلي والرسمي وشبه الرسمي، وقد توقفنا ملياً عند ما ذكره سعادة النائب قاسم هاشم في كلمته أمام الاعتصام الذي دعا إليه تحالف القوى الفلسطينية أمام مقرّ الأسكوا ببيروت في 25/6/2010 للمطالبة بالحقوق المدنية، عندما قال إن «من يدعو إلى عدم إعطاء الحقوق المدنية والاجتماعية، هو من يساهم في توطين اللاجئين الفلسطينيين من خلال دفع الأمم المتحدة إلى رفع أمر انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني في لبنان إلى مجلس الأمن، مقدمة لاستصدار قرار وفق الفصل السابع، يجبر لبنان على القبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين».
ثالثاً: تأكيد أن مشكلتنا كلاجئين فلسطينيين ليست مع الحكومة اللبنانية، وهو ما قاله اللاجئون الفلسطينيون في لبنان «لسنا طرفاً في اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية ونحن تحت مظلة القانون اللبناني». مشكلتنا بالأساس أولاً مع الاحتلال الإسرائيلي الذي اغتصب أرضنا وشرّد شعبنا وجاء باليهود من مختلف دول العالم للإقامة في منازلنا، ويحرص على تذويبنا كلاجئين في أماكن لجوئنا أو شتاتنا ومنافينا القسرية. وثانياً مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي أعطت شرعية لهذا الكيان وعجزت وفشلت فشلاً ذريعاً وعجزت عن تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم في فلسطين، بالرغم من مرور 62 سنة على النكبة.
في المقابل، بغض النظر عن فلسفات أعداء العودة أو أصدقاء التوطين، إلا أن الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان هي حقوق يجب تحصيلها، وإن أراد البعض بتوفير تلك الحقوق الوصول إلى التوطين أو التهجير فهذا شأنه وله فلسفته الخاصة التي تتناقض كلياً مع المعطيات العلمية، إذ يشير استطلاع منظمة ثابت لحق العودة في نيسان (أبريل) من عام 2009 إلى أن 87.6% من اللاجئين الفلسطينيين يرفضون معادلة «توفير الحقوق المدنية والاجتماعية يساهم في تكريس التوطين ونسيان حق العودة»، وبالتالي تلك الحقوق بالنسبة إلينا كلاجئين فلسطينيين هي الوجه الآخر لمفتاح العودة.
حقوق اللاجئين.. زوبعة في فنجان
في الشهرين المنصرمين مرّت على لبنان مشاهد متعلقة بقضايا اللاجئين الفلسطينيين والمطالبة بحقوقهم المدنية والاجتماعية، بتقديرنا المتواضع، يصح القول عنها بأنها فريدة من نوعها، ففي 15/6/2010 عُرض على المجلس النيابي للمرة الأولى مشروع قانون معجل مكرر من أربع فقرات تقدمت به كتلة اللقاء الديموقراطي النيابية، وأثار زوبعة لبنانية سواء لجهة الاصطفافات الطائفية وتمنّع فريق عن تبني المشروع، أو إحالة الموضوع على لجنة الإدارة والعدل النيابية وإعطاء مهلة شهر للدرس، وبعد ذلك منح المزيد من الوقت، وتحديداً إلى 17/8/2010، للدراسة وإيجاد صيغة توافقية ترضي جميع الكتل النيابية في لبنان ولو على حساب اللاجئ الفلسطيني ومعاناته اليومية.
لقد بدا أن طرح القضية في المجلس النيابي شكّل امتحاناً حقيقياً لمعرفة مدى ترجمة أقوال الكثير من الساسة اللبنانيين عن «أخوة العلاقة» مع اللاجئ الفلسطيني وعن «المصير الواحد» وعن «الخطأ الجسيم المرتكب» بحق اللاجئين وعن «التأخر الكثير» عن منح الحقوق المدنية وغيرها من العبارات.. وتحويلها إلى أفعال.
دراسة المقترحات فلسطينياً
إثر تأجيل البتّ لتاريخ 17/8/2010، تداعى عدد من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني في لبنان لدرس مقترح القوات اللبنانية وتيار المستقبل وقوى 14 آذار يوم الجمعة 16/7/2010. السؤال الأول الذي طُرح في الجلسة: لماذا تجري دراسة هذا المقترح تحديداً، وماذا عن بقية المقترحات؟ ليجري تدارك الموضوع، وأن المطروح أيضاً لمناقشة بقية المقترحات المقدمة. والسؤال الثاني: على أهمية الحراك الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والقوى والفصائل والأحزاب لتوفير الحقوق المدنية والاجتماعية، فهل يلقى ذلك الحراك آذاناً صاغية من قبل صانع القرار في لبنان؟ وهل بالفعل يجري الاستماع إلى اللاجئ الفلسطيني نفسه وفهم ما يريده لنفسه ولغيره؟ أم أن اعتبارات مصالح القوى السياسية النافذة في البلد فوق كل اعتبار؟
جاءنا الرد وفق ما نشرته صحيفة الحياة اللندنية في عددها الصادر يوم الأحد في 18/7/2010 من خلال التصريح الذي أدلى به مسؤول العلاقات اللبنانية في حركة حماس، حيث رأى أن «تأجيل التصويت في المجلس النيابي على القوانين المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، هو إلغاء مقنّع ووأد لتلك المشاريع، وهو أشبه بنعي بعبارات مزركشة لحقوقهم». ورأى أن «طريقة تعاطي بعض الجهات مع مشاريع القوانين لا تبشر بوجود إرادة لبنانية جدية لإحداث تغيير في مناخ العلاقات».
ونحن كمؤسسات مجتمع مدني في لبنان، نُعرب عن تخوفنا من التسويف والتأجيل في بحث القوانين المتعلقة في توفير الحقوق المدنية، سواء في لجنة الإدارة والعدل أو في البرلمان اللبناني، وذلك تكرار لما حدث في عام 1991 بعد توقيع اتفاق الطائف وتسليم السلاح الثقيل وتشكيل لجنة لبنانية وأخرى فلسطينية لمتابعة توفير الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين في لبنان، ومنذ حوالى عشرين سنة لم يعقد سوى لقاء واحد فقط.
بدوره الرئيس سليم الحص، في زيارة منظمة «ثابت» له في 14/7/2010، أعرب عن مخاوفه من إمكانية أن يكون ما يجري هو من باب طرح موضوع لا أفق للحل فيه، وبالتالي يساهم في تغذية الفتنة الداخلية وتغذية الاحتقان الداخلي، ولبنان للأسف يُحكم بالعصبيات لا بالعقل، ولذلك وجّه نصيحة إلينا كمنظمات مجتمع مدني في لبنان بمخاطبة العقل لا العصبية للحصول على حقوقنا المدنية والاجتماعية، رافضاً أي مقايضة بين السلاح الفلسطيني والحقوق المدنية، فحتى الساعة «مبرر وجود السلاح لا يزال قائماً وهو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي».
مواقف دولية داعمة للحقوق؟!
الاتحاد الأوروبي غيور على غير عادته على معاناتنا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إذ أصبح ينظر بعين القلق إلى الحالة المزرية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، لذلك فقد دعا لبنان إلى «تحسين وضع الفلسطينيين اللاجئين، وخصوصاً لجهة حقهم في العمل والتملك والوراثة وتسجيل الممتلكات، وتسجيل اللاجئين الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية». لكن هذه الدعوة الموجهة إلى الحكومة اللبنانية لا تهدف إلى الوصول لعودة اللاجئين، بل للدمج وإعادة التأهيل وفتح أبواب الهجرة والتوطين. جاءت دعوة الاتحاد الأوروبي عقب الاجتماع السنوي لمجلس الشراكة الخامس بين لبنان والاتحاد الأوروبي الذي عُقد في 15/7/2010 في لوكسمبورغ.
الضغط من خلال الأونروا
أما الأونروا، فقد عبّرت عن موقفها من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده المفوض العام للأونروا السيد فيليبو غراندي في بيروت بتاريخ 23/6/2010، ودعا فيه السلطات اللبنانية إلى «منح الحقوق الإنسانية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، ولا سيما حق العمل»، ورأى أن «من مصلحة لبنان ضمان مجتمع فلسطيني مستقر». وأكد أن المطالبة بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية «لا علاقة لها بالتوطين»، ولم يضِفْ السيد غراندي في تصريحه الصحفي بأن منح حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يمكنهم من حقهم في العودة. في اليوم الذي تلاه، كان للسيد غراندي محاضرة في الجامعة الأمريكية بدعوة من مركز عصام فارس للشؤون الدولية والدراسات، أشار فيها إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأونروا هو مسألة التربية والتعليم خاصة في السنوات الثلاث القادمة.
يتقاطع كلام السيد غراندي مع كلام السيد روجر ديفيس نائب المدير العام للأونروا في لبنان، والمكلف إدارة قسم التربية والتعليم فيها، عندما قال أمام حشد من الأهالي إنه يجري الآن العمل على المنهاج الدراسي الخاص بالثلاث سنوات الأولى من المرحلة الابتدائية ومنهاج الصف الأول ابتدائي سيرى النور في العام الدراسي القادم 2010-2011. وهذا يعدّ مثيراً للقلق، وخصوصاً إذا علمنا بأن كندا أوقفت مساعداتها للأونروا لأن مدارس الأونروا في قطاع غزة المحاصَر – حسب زعم الحكومة الكندية- تدرس «العنف» للطلاب، الأمر الذي نفته حركة حماس ونفته الأونروا، وكأنها محاولة لضرب الأونروا نفسها في واحدة من الخطوات الآيلة إلى إنهاء دور الوكالة بصفتها شاهداً دولياً على جريمة النكبة، وإذا علمنا كذلك بأن الشعار الذي ترفعه الأونروا في خطتها الاستراتيجية للخمس سنوات القادمة يقول «السلام يبدأ من هنا» بالإشارة إلى مجموعة من الطلاب وهم مجتمعون في ساحة إحدى مدارس الأونروا، وقد بدا ذلك أيضاً جلياً وواضحاً في خلفية مؤتمر الأونروا الذي عقد في القاهرة بتاريخ 22/6/2010.
الانطلاقة الجديدة للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني
التحول الذي طرأ على خطاب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أثار المخاوف لدى الكثير من المراقبين، مما يجري على الساحة اللبنانية في مسألة منح الحقوق المدنية، ولا سيما اللاجئون أنفسهم من المماطلة والتسويف في بحث موضوع الحقوق ومناقشته. فقد أشار في جلسة المجلس النيابي في 15/6/2010 إلى أن من لا يريد إعطاء الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان «كأنه يستثمر في الإرهاب» ويدعو إلى «عدم تكرار تجربة مخيم نهر البارد». لكن في المقابل، قال في لقاء لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الذي دُعينا إليه: «صحيح لا نرضى بالواقع المزري للاجئين الفلسطينيين في المخيمات، لكن في المقابل على اللاجئين الفلسطينيين واجبات في ما يتعلق بالسلاح الفلسطيني وبسط سلطة الدولة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما فيها المخيمات». وفي لقاء لجنة الإدارة والعدل النيابية في 14/7/2010 نقلت جريدة «الأخبار» عن السيدة مايا مجذوب رئيسة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أنها ربطت «إعطاء الحقوق للفلسطينيين بمسألة سحب السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها».
حقَّي التملك والعمل
ربما أصبح من بديهيات القول أن لا علاقة بين الحق في التملك والتوطين، كما يقول بعض الساسة اللبنانيين، وهذه حجة ليس لها ما يبررها على المستوى المنطقي أو القانوني. فقد أقر مجلس النواب في جلسته التشريعية المنعقدة يوم الأربعاء 21/3/2001 قانوناً يحمل الرقم 296 المادة الأولى الفقرة الثانية الذي يمنع بموجبه تملك اللاجئ الفلسطيني بطريقة غير مباشرة. ولكن قبل ذلك التاريخ، وتحديداً منذ النكبة عام 48، أي قبل 53 سنة من صدور القانون، كان يحق للاجئ الفلسطيني التملك في لبنان، ولم يؤدِّ ذلك إلى توطينهم أو نسيانهم لحقهم في العودة. من جهة أخرى، وعلى سبيل المثال، لو تملّك اللبناني عقاراً في أي دولة عربية أو أجنبية فهل يعطيه ذلك أي حق في الحصول على جنسية أي من تلك الدول؟! إذاً لا علاقة بين الحق في التملك والتوطين واكتساب الجنسية.
أما بالنسبة إلى الحق في العمل، فلا بد من الإشارة إلى أن ما يجري الحديث عنه من توفير لحق العمل خارج إطار المهن الحرة، يعني عملياً تحميل اللاجئ الفلسطيني أعباءً مالية إضافية تلزمه وتلزم رب العمل أمام الضمان والجهات الرسمية دون إضافة مداخيل جديدة لجيبه أو إيجاد فرص عمل جديدة؛ لأن المهن جميعها تقريباً لها نقابات، وبهذا يجري تحميل أعباء إضافية للاجئ، ويُطالب بتكاليف مادية دون أن يُمنح شيئاً مهماً، لا بل بهذه الحالة أصبح على رب العمل أعباء يرغب في التخلص منها، إن كان عمّاله من اللاجئين الفلسطينيين، وبهذا يخسر الفلسطيني عامل المنافسة أمام غيره.
المصدر : مجلة العودة