مئات الفتية والأطفال السوريين يعملون
دون كلل:
دفعهم النزوح إلى العمل في مهن خشنة..
بلا حقوق
"معاناة
النازحين السوريين فوق الوصف"
ثريا
حسن زعيتر
نزوح
ولجوء وبؤس.. أصبحت توأم اللاجئ السوري، بعدما كانت رفيق درب اللاجئ الفلسطيني منذ
النكبة العام 1948، وكأن الزمن يعيدنا إلى الوراء، إنما في بلد ومع شعب آخر، ويدفع
الثمن الأكبر النساء والأطفال الذين وجدوا أنفسهم بلا مقاعد دراسية، وفي سوق العمل
مُجبرين على تأمين قوت يومهم وعائلاتهم النازحة إلى لبنان قسراً...
فقد
تحوّل الأطفال السوريين، إلى عمّال في مهن «خشنة»، وهم يشكلون ما لا يقل عن 50% بين
أكثر من مليون سوري نزحوا إلى لبنان، وتتراوح أعمارهم بين عام و15 عاماً، فتراهم اليوم
في سوق العمل، يعملون في الحدادة، النجارة، الألمنيوم، كاراجات تصليح السيارات ومحلات
تصليح وبيع الإطارات...
يُعاني
هؤلاء الأطفال من غياب القوانين التي ترعاهم وتحافظ على حقوقهم، إذ أن القانون اللبناني
يحظر عمل الأطفال، ولا توجد مؤسسات خاصة تُعنى بهم كنازحين، وتحول دون استغلالهم في
أعمال تتنافى مع القوانين الدولية التي تحظر ذلك، وتالياً ليس هناك من يُراقب ويُحاسب
ويفرض العقوبات، حتى على عمالة أطفال لبنان...
بين
عذاب النزوح والاضطرار للعمل، يقف الفتية السوريون اليوم بين الأمل في أن يعودوا إلى
وطنهم قريباً، والألم من الظروف القاسية التي يرزحون تحت وطأتها، يتجرعون كأس المرارة
والشقاء كل صباح...
«لـواء
صيدا والجنوب» واكب الفتية والأطفال السوريين النازحين إلى الجنوب، واستمع إلى حكاياتهم
مع النزوح والعمل، بانتظار العودة إلى الوطن...
لم
ترحم الأحداث الدامية في سوريا عائلات بأكملها
بين سقوط ضحايا وجرحى، وتدمير منازل، ونزوح قسري إلى لبنان، حيث أثرت وطأة المعاناة
على فتية وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ترك الدراسة والالتحاق في سوق العمل الباكر المصحوبة
بمخاطر وألم، فترتسم على وجوههم علامات الحزن والأسى، مُترافقة مع التحدي والإصرار
على الحياة، فيواجهون ظروفهم القاسية، وتخليهم عن مقاعدهم الدراسية.
{
الفتى السوري النازح محمد بيطار، أجبرته الظروف التخلي
عن طفولته ليصبح رجلاً قبل أوانه، فالتحق في سوق العمل في مخرطة وذلك «تحدٍ لطفولته»،
ويقول: «لم يكن يخطر على بالي أن انخرط في سوق العمل باكراً، فالظروف قاسية، ومعاناتنا
صعبة، خاصة إن عائلتي كبيرة ومؤلفة من 10 أفراد، وأبي لا يمكنه تأمين قوتنا اليومي،
فقررت أن أبحث عن عمل لأساعده في تأمين مصروفنا، فنزلت إلى ميدان العمل في لبنان، ولكن
ما يحزنني إن رفيقي يزن ابن الـ 11 ربيعاً، ترك خلفه حلمه ومدينته حلب ونزح مع ذويه
إلى لبنان هرباً من الموت، ولكن الموت سبقه حين سقط عليه لوح خشب أثناء عمله في ورشة
بناء وأرداه».
صعوبات
الحياة
{
أما نبيل الحمص (11 عاماً)، فقد ترك بيته وقريته، فيقول:
«لم أستطع الاندماج في المنهاج التعليمي في لبنان لأن كل شيء مختلف، فالدراسة عندنا
أسهل، فقررت ترك الدراسة لأبحث عن عمل وأكوّن شخصيتي التي أستطيع بها مُواجهة الصعوبات،
فالحياة صعبة، والشغل فيها أصعب، خاصة نحن الأطفال قدرتنا على التحمّل أقل من الشباب
والرجال».
ويتمنى
«أن تنتهي الحرب في سوريا، ونعود إلى وطننا وبيتنا، لأن حلمي العيش بأمان واستقرار،
وإكمال تعليمي، فالوطن بحاجة إلينا ونحن الأطفال رجال المستقبل».
الأم
وأمل
حكاية
هؤلاء الفتيان مثل حكايا المئات من الأطفال السوريين الذين دفعتهم ظروف المأساة إلى
تحمّل المسؤولية باكراً، فيعملون في أشغال شاقة يومية حفرت في أجسادهم عمق عذابات الطفولة.
{
الفتى وسيم الحوش (11 عاماً) واحد من هؤلاء، يقول: «لقد
فقدت والدي في معرة النعمان قبل عام، فنزحت قسراً إلى لبنان، فأنا لم أكمل دراستي لأن
الظروف صعبة، والآن الوقت للعمل، ولا يوجد مجال للتسلية، مطلوب جمع المال وإلا الجوع
الكافر، لذلك كان عليَّ أن أعمل في محل لميكانيك الآليات».
وبحزن
في عينيه يتابع: «كنت أحلم بأن أصبح طبيباً أعالج الناس، ولكن الحلم تحوّل كابوساً،
لقد تركت العلم ودخلت مجال العمل وأنا في الـ 11 من عمري، لأنني أشعر بمسؤولية نحو
أخواتي، في ظل الظروف الصعبة، فليس لدينا ضمانات اجتماعية ولا صحية، لكن يجب علينا
أن نتحمّل إلى حين إنتهاء أزمة بلدنا، حيث سأعود إلى الدراسة».
طفولة
منسية
{
بينما الفتى بشار أدلبي (10 أعوام) اتجه نحو مهنة تصليح
الإطارات، وهي مهنة قاسية على جسده الضعيف، يقول: «قبل النزوح كنت في المدرسة بالصف الأول المتوسط، ولكن الآن
تركت الدراسة، ونزلت إلى ميدان العمل، نريد أن نؤمّن قوتنا اليومي، خاصة أن كل الاحتياجات
الضرورية للحياة غالية جداً في لبنان، بعكس ما كنا نعيش في سوريا».
يضيف:
«قتل والدي في سوريا، وأنا كبير العائلة المؤلفة من والدتي و4 أشقاء، لا نريد أن نتسوّل..
لذلك أنا أعمل قبل الظهر في محل لتصليح الإطارات، وبعده في صالون حلاقة، أريد أن أثبت
لأمي أنني رجل يُمكن الاعتماد عليه».
{
أما الفتى غياث خياط (11 عاماً) فهو لا يبالي لحروقه الصغيرة في يديه،
ولا حتى لصعوبة العمل، ويقول: «أعمل بلا كلل» غير مدرك للمخاطر المُحدقة بي في كل لحظة،
لقد نسيت طفولتي لآنني أريد أن أعمل حتى نعيش أنا وأخواتي، فالظروف تُعاندنا، ويجب
أن نكون أقوى منها».
وبحزن
يضيف: «أمضي يومي كله بين ألواح الألمنيوم وقضبان الحديد وشفرات قطعها والبراغي والمفكّات،
بدلاُ من أن أكون على مقاعد الدراسة، لأنه لا مجال لتضييع الوقت، خاصة أن والدي لم
يجد عملاً لغاية الآن، فاضطررت أن أعمل بدلاً منه».
وجع
وصمت
{
ولا يخفي الفتى راسخ دكدك (11 عاماً) كرهه لمن دمّر وطنه وفرض عليه واقعاُ
مأساوياً جديداً، ويقول: «أجبرتني الظروف على ترك المدرسة والعمل في كهرباء الأبنية،
لقد قست الأيام علينا وحرمتني التعليم، كنت أحلم بأن أصبح مهندساً، والآن أعمل بحفر
الجدران بالإزميل والمطرقة، فتتطاير شظايا أحجار صغيرة، تسقط بمعظمها على وجهي الذي
اعتاد تلقيها، وبأجرة لا تتجاوز 10 آلاف ليرة لبنانية يومياً، في رحلة تعب تبدأ السابعة
صباحاً ولا تنتهي إلا في السادسة مساء، فجسدي النحيل اعتاد على التحمّل وبصمت دون وجع».
ويختم:
«منذ عام تقريباُ وأنا أعمل في هذه المصلحة، من أجل تأمين قوت يومي لعائلتي، لقد أصبحت
مُعلماً، ولكنني أنتظر أن تنتهي أزمة وطننا لكي أعود إلى بلدتي ومنزلي ومدرستي وأكمل
تعليمي، وأريد أن أحصل على شهادة جامعية وأخدم وطني بفخر واعتزاز».
جنوبيات،
24/4/2013
|