شكرا
غينغرتش.. وقاحتك مطلوبة
بعد
18 عاما من المفاوضات، والتنازل عن اكثر من ثمانين في المئة من ارض فلسطين
التاريخية، وتوقيع اتفاقات اوسلو التي اضفت الشرعية على اسرائيل وكسرت عزلتها
العربية والدولية، ونبذ الكفاح المسلح باعتباره ارهابا، ها هي الولايات المتحدة
تكافئ الفلسطينيين مرتين، الاولى على يدي الرئيس باراك اوباما الذي رفض السماح
بعضوية رمزية لفلسطين في الامم المتحدة، والثانية من قبل نوت غينغرتش المرشح
الجمهوري الأبرز لانتخابات الرئاسة، الذي اعتبر الشعب الفلسطيني شعبا 'مفبركا' لا
يستحق دولة او كيانا
قبل
المفاوضات العبثية المهينة، والتخلي عن المقاومة ، لم يجرؤ اي مسؤول امريكي على
الإدلاء بمثل هذه الاقوال، بل كانوا يتوسلون الى الفلسطينيين للقبول بالحلول
السلمية، ويرفضون الاستيطان باعتباره ممارسة غير شرعية مخالفة للقانون الدولي،
ويتعهدون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ماذا
تغير؟.. الامريكيون لم يتغيروا، بل نحن باستسلامنا، والعرب من خلفنا الذين
غيرناهم، ودفعنا بهم اكثر فأكثر لمنافقة اليهود والاسرائيليين، والارتماء في
احضانهم، والاستماتة في استرضائهم.
'
' '
غينغرتش
يتخذ مثل هذه المواقف وهو مطمئن الى انه لن يتضرر، ولا مصالح بلاده ستتضرر ايضا،
لانه لا يوجد عرب في الاساس، والسلطة الفلسطينية ما زالت تعتبر الولايات المتحدة
حليفا استراتيجيا، وتغازل مبعوثيها الذين يتدفقون الى رام الله حاملين صيغا لاحياء
مفاوضات السلام مجددا.
عندما
يتحول الشعب الفلسطيني من شعب مقاتل الى شعب متسول، تنسق قواته الامنية مع نظيرتها
الاسرائيلية، وتحمي المستوطنات من العمليات الفدائية، وتجعل من الاحتلال
الاسرائيلي الأرخص في التاريخ، والاقل كلفة، فلماذا لا يخرج غينغريتش وامثاله عن
كل الاعراف والآداب، ويذهب الى ابعد من بنيامين نتنياهو ومواقفه المتطرفة، ويزوّر
مثلهم التاريخ والجغرافيا؟
العيب
ليس في غينغرتش او نتنياهو او باراك اوباما.. العيب فينا نحن العرب، واقصد عرب
الطغاة، وليس عرب الثورات، فهؤلاء اذلوا المواطن العربي، عندما تذللوا للامريكان
والاسرائيليين، تحت مفاهيم الواقعية البراغماتية، والخلل في موازين القوى، وسخروا
كل ثرواتهم واراضيهم في خدمة مشاريع الهيمنة الاسرائيلية ـ الامريكية، وشاركوا
امريكا في كل حروبها ضد العرب والمسلمين بحماس يحسدهم عليه الامريكان انفسهم.
في
الولايات المتحدة هناك ثلاثة 'لوبيات' رئيسية، الاول الاسرائيلي، والثاني لوبي شركات
النفط، والثالث لوبي شركات السلاح وصناعته، وهناك من يضـــيف لوبيا رابعا هو لوبي
المتقاعدين. وبنظرة سريعة يمكن القول بان اكبر 'لوبيين'، اي شركات النفط والسلاح،
يعتمدان اعتمادا كليا على العرب ونفطهم وصفقاتهم، ومع ذلك لا تأثير على الاطلاق
لنا في السياسة الامريكية الخارجية
من
المفارقة ان الحزب الجمهوري هو الصديق والحليف التقليدي لمعظم العرب، والمملكة
العربية السعودية على وجه الخصوص، حتى ان الارتياح الذي تردد في اروقة الرياض بعد
نجاح الرئيس جورج بوش الابن في الانتخابات الامريكية لم يضاهه اي ارتياح داخل الحزب
الجمهوري نفسه، ونقل عن مسؤول سعودي كبير فور اعلان المحكمة الدستورية فوز بوش
رسميا قوله 'لقد حكمنا
غينغرتش
يعرف التاريخ جيدا، ولا يحتاج منا او غيرنا لتذكيره بأن فلسطين موجودة قبل ان
تكتشف امريكا بآلاف السنين، ولكن ما يمكن ان نلفت نظره اليه، ان انهيار امبراطورية
بلاده سيبدأ في بلاد العرب والمسلمين، وان مثل هذه السياسات التي لا ترى العالمين
العربي والاسلامي الا من منظار التطرف الاسرائيلي، هي التي ادت الى هزيمتها في
العراق وافغانستان، وخسارتها تريليون دولار وخمسة آلاف قتيل، واربعين الف جريح،
والهزيمة المقبلة ستكون اكبر، والايام بيننا.
تحتاج
الامبراطورية الامريكية الى رئيس آخر مثل جورج بوش الابن، لكي تتحول الى
امبراطورية سابقة، ولا شك ان غينغرتش هو الأنسب لأداء هذه المهمة، خاصة انه اكد
على اختياره جون بولتون احد ابرز صقور الحربين على العراق وافغانستان لكي يكون
وزيرا لخارجيته، ومهندسا لسياسته في العالم الاسلامي.
غينغرتش
اعماه الغرور، والتزلف للوبي اليهودي الاسرائيلي من رؤية حقائق السياسة، ناهيك عن
حقائق التاريخ، والتحولات التي تجري حاليا في المنطقة العربية والعالم، وهذا من
حسن حظنا، وسوء حظ اسرائيل، فهذا الرجل لا يدرك، لفرط غبائه، ان اصدقاء بلاده من
الطغاة العرب يتساقطون الواحد تلو الآخر على ايدي الشباب العربي الثائر، وان
اوباما سحب جميع قواته من العراق اعترافا بالهزيمة، ويستعد ليكرر الاعتراف نفسه
بعد عشر سنوات من حرب استنزاف اذلت قواته في افغانستان.
شخصيا
شعرت بسعادة غامرة وانا اقرأ تصريحات غينغرتش هذه، وازددت سعادة عندما اصرّ عليها،
وكررها مرة اخرى، فنحن بحاجة الى شخص مثله يصب المزيد من الزيت على نيران الثورات
الشعبية العربية، ويقرع الجرس لإيقاظ بعض النيام في المنطقة العربية
السلطة
الفلسطينية استنكرت التصريحات هذه، ووصفتها بالغباء، وطالبت بالاعتذار، وهو موقف
مخجل، لأن الرد المنطقي هو ان ينزل مئات الآلاف الى شوارع رام الله ومدن الضفة
والقطاع الاخرى احتجاجا وغضبا، فمن العار ان يتحرك الشباب العربي في كل مكان طلبا
للعدالة والتغيير الديمقراطي، واستعادة الكرامة المسلوبة، بينما يغط الشباب
الفلسطيني في احلام اليقظة، منتظرين دولة لن تقوم الا بسواعد المقاومة، وليس عبر
الاستجداء، وانتظار راتب آخر الشهر.
|