واقع التعليم الجامعي للطلاب
الفلسطينيين في لبنان
سيف الدين
موعد،- مخيم نهر البارد
يعيش اللاجئ الفلسطيني في لبنان معاناة متشعّبة
تفرضها الظروف المعيشية الصعبة، في ظل واقع قانوني مجحف يحرمه من حقه في العمل ومن
التمتع بحقوقه المعيشية والاجتماعية والمدنية، وعلى رأسها حقه في التملّك!
وهذه المعاناة
تنعكس سلباً على كافة جوانب حياته، ومنها قدرته على تأمين فرص تعليم للشباب
الفلسطيني الذي يعيش في دوامة هذه الظروف وتثقل كاهل المعيل الفلسطيني، وتجعله اقل
قدرة على تحمل الأعباء المترتبة على التحصيل العلمي لأبنائه، وخصوصاً في المرحلة
الجامعية، فالشريحة الطلابية الجامعية هي أكثر الشرائح التي تعيش الغبن والظلم
المستمر، أقلها عدم قدرتهم على التوجّه الى اختصاصات التي يحلمون بها واستبدالها
بتخصصات بسيطة واقل تكلفه أو الاستعاضة عن التعليم الجامعي بالمعاهد المهنية، أو
التوجّه الى سوق العمل مباشرة، هذا إذا تيسّر له إيجاد فرصة عمل..
وبدأ يستدعي
الانتباه تراجع مستوى التعليم للفلسطينيين، وخصوصاً انه لا يمكن فصل ظروفهم
التعليمية عن الظروف البائسة التي تكتنف حياتهم، وقد أدت هذه الظروف إلى تراجع
مستوياتهم التعليمية مقارنة بالفترات السابقة، ويكفي الإشارة إلى أن نسبة الطلاب
إلى عدد السكان الفلسطينيين في لبنان هي 9.67%، مقارنة بالمجتمع اللبناني الذي
تبلغ نسبته 23% لإظهار حجم المشكلات التي يواجهها تعليم الفلسطينيين في لبنان بشكل
عام.
تقصير من
الانروا ومنظمة التحرير الفلسطيني ومؤسسات أخرى..
وتجدر الإشارة إلى أن مسألة التعليم للاجئ
الفلسطيني في لبنان تتحمل مسؤوليتها عدة إطراف، منها وكالة الاونروا ومنظمة
التحرير، فضلاً عن صندوق الطالب الفلسطيني، الذي يتم تمويله من بعض الجهات العربية.فوكالة
الانروا لم تول منذ تأسيسها أهمية لمرحلة التعليم الجامعي، واقتصرت تقديماتها على
بعض المنح المحدودة التي بدأت توفرها مؤخرا بدعم من بعض الدول المانحة والتي لم
يتعد عدد الطلبة المستفيدين منها للعام الدراسي 2010/2011 الـ 50 منحة، في الوقت
الذي وصل فيه عدد الطلبة المتقدمين للانروا للحصول على منحة جامعية هذا العام اكثر
من 800 طالب فلسطيني.وليس بعيداً عن الانروا واقع منظمة التحرير الفلسطينية التي
لم تختلف كثيرا في تعاطيها مع هذا الملف، فتعاطيها مع الاحتياجات التربوية للاجئين
الفلسطينيين في لبنان يكاد يكون غائباً سواء بالنسبة إلى المساعدة المباشرة للطلبة
أو على صعيد استثمار علاقاتها العربية والدولية لتوفير المنح الجامعية في الخارج. وقد استحدث مؤخراً صندوق لدعم الطالب
الفلسطيني، تحت مسمى "صندوق الرئيس محمود عباس" لكن هذه الخطوة رغم
إيجابياتها، لم تعالج جذور الأزمة، حيث اقتصرت مساعدات الصندوق على طلاب السنة
الجامعية الأولى فقط.وبالنسبة لصندوق الطالب الفلسطيني، الذي كان حتى وقت قريب
الملجأ الوحيد الذي يعتمد عليه الطلبة الفلسطينيين في لبنان، فهو يعاني من أزمات
مالية كبيرة منذ سنوات، وقد اتخذ هذا العام سلسلة من الإجراءات التقشفية التي زادت
وفاقمت من معاناة الطلبة، حيث فرض على الطلبة الحصول على درجة 80% في الامتحانات
الجامعية ليتمكنوا من الحصول على مساعدة الصندوق، أضف الى ذلك انه اتخذ قراراً هذا
العام بعدم استقبال الطلبات الجدد للطلاب الذين نجحوا في الشهادة الثانوية لهذا
العام، الأمر الذي يعني فقدان الطلبة لأحد أهم وأبرز المصادر التي كانوا ولا
يزالون يعتمدون عليها لاستكمال دراستهم الجامعية.وفي محاولة للاطلاع على هموم
الطلبة عن قرب، قابل سيف الدين موعد عدداً من الطلبة الجامعيين من مخيم نهر البارد
للوقوف على معاناتهم. وموعد لاجئ فلسطيني من قرية صفورية في نهر البارد حاصل على
بكالريوس في إدارة الأعمال ويتابع دراسة الماجستير في الاقتصاد العام، وله تجربة
في العمل الصحافي...
الطالب نور
أبو راضي: أهم العقبات هي تأمين القسط الجامعي..
نور ابو راضي، (من قرية صفورية، قضاء الناصرة،
يسكن مخيم نهر البارد، متابع في دراسة ادارة الاعمال، سنة رابعة، جامعة بيروت
العربية) يعتبر أن اهم العقبات التي تواجهه تتمثل بتأمين القسط الجامعي، إضافة الى
المصاريف الاخرى التي يحتاجها لجهة الاقامة في بيروت (مصاريف السكن، والمواصلات..)،
وتكاليف الحصول على الكتب وتأمين المراجع... يقول أبو راضي: بالنسبة لأقساط
الجامعة العربية فهي بارتفاع مستمر، حيث تضاعف القسط عما كان عليه منذ ثلاث سنوات،
وهذا الأمر اضطرني لعدم أخذ الفصول الصيفية ما يعني تأخير موعد التخرج.وعن المصدر
الذي يلجأ اليه لتأمين قسطه الجامعي يقول نور: الاونروا لا تتبنى المرحلة
الجامعية، الا من خلال بعض المنح التي تمنح للمتفوقين... ولبعض المحسوبيات.. وبالنسبة
لصندوق الطالب الفلسطيني، فهو يشترط أن تحصل على معدل عام 80%، وعليه يقوم بإقراض
الطلبة جزء من القسط على أن يتم سداده بعد التخرج... وهذه النسبة عالية لا استطيع
الحصول عليها وخصوصاً أنني مضطر لتخصيص جزء من وقتي للعمل بدوام جزئي في بعض
الأعمال الحرة والتي غالباً ما تكون على حساب الاهتمام بدروسي، مشيراً الى انه علم
مؤخراً ان الصندوق سيكتفي بهذه السنة وسيتوقف عن تقديم القروض الدراسية ابتداء من
السنة القادمة.ويتحدث نور عن معاناته خلال السنوات التي قضاها حتى الآن في الجامعة
فيقول: واجهت صعوبة كبيرة خلال السنوات الأولى، وخصوصاً ان مصدر دخل أهلي تأثر
بشكل كبير نتيجة أزمة البارد، وقد اضطررت للبحث عن عمل ليتسنى لي التسجيل في
الجامعة، ولم أجد أفضل من اختصاص إدارة الأعمال كون أقساط هذا التخصص مقبولة
مقارنة بالاختصاصات الأخرى، مع أنني أنهيت البكالوريا العامة باختصاص علوم الحياة
وكنت أطمح بدراسة الطب او الصيدلة .. طبعاً ليس من السهل الحصول على عمل هنا في
لبنان وخصوصاً أنني فلسطيني....كانت هناك بعض المساعدات التي خصصت للطلاب الذين
صادف موعد تسجيلهم في الجامعة أزمة البارد في العام 2007، إلا أن هذه المساعدات
شحت وهي لا تغطي إلا جزءاً بسيطاً من القسط الجامعي: 20% للسنة الاولى والسنة
الثالثة...وعما اذا ما كانت الجامعة تراعي الظروف الخاصة للاجئين الفلسطينيين يقول
الطالب نور: غالباً ما تفرض علينا الجامعة بنوداً جزائية نتيجة التأخير في سداد
القسط الجامعي بنسبة 10% من المبالغ المتأخره.. وبالمناسبة مضى على بداية الدراسة
في الجامعة لهذا العام ثلاث أسابيع وانا لليوم ممنوع من حضور المحاضرات لحين تأمين
القسط الأول للحصول على بطاقة للعام الدراسي 2011 – 2012 والتي بموجبها يسمح لي
الدخول الى حرم الجامعة!
الطالب محمد
المجذوب: لم يستطع والدي تأمين القسط الجامعي ومصاريف الإقامة في بيروت.
أما الطالب محمد المجذوب، (من قرية عمقا، يسكن
مخيم نهر البارد، متابع إدارة أعمال، في جامعة AUL
سنة ثالثه) فلا يختلف بالرأي عن الطالب نور فهو يعتبر ان الصعوبة الأساسية تكمن
بتأمين القسط الجامعي يقول: أبي أعلن صراحة بأنه لن يستطيع تأمين الأقساط الجامعية
لمتابعة دراستي، ولا حتى مصاريف الإقامة في بيروت، الأمر الذي اضطرني للبحث عن عمل. اليوم استطعت أن أنهي ثلاث سنوات من دراستي
الجامعية، لكن لا شك أنني تأخرت كثيراً عن موعد التخرج الطبيعي فأنا أعمل غالباً
بدوامين إضافة إلى دوام الجامعة الأمر الذي أعاق في كثير من الأحيان الاهتمام
بواجباتي الدراسية تجاه الجامعة... وخصوصاً أن سوق العمل في لبنان لا يوفر لك
الراتب المناسب، وليست هناك حقوق تحفظ حقك كعامل.. كما أنني غالباً ما أهيئ نفسي
للامتحانات وأحرم من بعضها بسبب عدم سداد الأقساط المستحقة، الأمر الذي يصيبني
بالإحباط.وعما إذا كان يتلقى مساعدات من أية جهة يقول الطالب محمد: بالنسبة لصندوق
الطالب، لا أستفيد منه، فالجامعة التي أدرس فيها غير مشمولة بخدمات الصندوق،
والاونروا لا تقدم المنح الا لعدد قليل من المتفوقين وبشروط تكون تعجيزية.. وبالنسبة
لمنظمة التحرير غالباً ما نقوم ببعض التحركات الاحتجاجية أمام مكتب الممثلية في
لبنان للضغط باتجاه النظر في معاناتنا، وأحياناً تفلح هذه الاحتجاجات، لكن للأسف
تأتي متأخرة جداً. فعندما تضغط الجامعة
وتشترط تسديد كل القسط قبل الامتحان تقوم المنظمة بالدفع بعد انتهاء العام الدراسي
ما يعني أن الذي يستفيد هو الطالب الذي فاته الامتحان. في العام الماضي تدخلت المنظمة ودفعت مبلغ 500$
من أصل 3500$ لكن بعد فوات الاوان، فقد كان علي دراسة المادة مرة ثانية بحسب نظام
الجامعة... واضافة الى قسط الجامعة هناك مبالغ اخرى أتحملها مرتبطة بالمواصلات
ومصاريف الإقامة؛ فأنا أعمل وأسكن في بيروت، وأدرس في صيدا وأقوم بزيارة أهلي في
مخيم البداوي في مسكنهم المؤقت...
الطالب عدنان
عبد العال: الطلاب المتخرجون من الجامعة عاطلين عن العمل!
ولم يستطع الطالب عدنان عبد العال، (من قرية
سعسع، يسكن مخيم البارد،) أن يتسجل في الجامعة بسبب الضائقة المالية وبسبب عدم
قدرته على إيجاد فرصة عمل؛ يقول: الأقساط الجامعية عالية جداً وتفوق قدرة أهلي
المالية. وبالنسبة للجامعة اللبنانية
الرسمية فهي متاحة لنا في بعض الاختصاصات وبتكاليف مقبولة لكن هذه الاختصاصات
المتاحة يغلب عليها التخصصات الأدبية، وكثير ممن تخرجوا من الجامعة اللبنانية مضى
عليهم سنوات دون الحصول على وظيفة.. لذا اضطرت للتسجيل في معهد جامعي "معهد
المساعدات الشعبية النروجية" وأنهيت سنة دراسية في المحاسبة وإدارة المكاتب
رغم كل العقبات التي تواجه أي طالب يدرس في العاصمة بيروت، وبعدها كانت لدي النية
لإيجاد عمل وإكمال تخصصي في الجامعة، لكن للأسف كيف سأحصل على عمل اذا كان الطلاب
المتخرجون من الجامعة عاطلين عن العمل؟
اليوم بعد مرور سنتين على إنهائي دبلوم الإدارة من المعهد أبقى عاطلاً عن
العمل، مع أنني حاولت أن أعمل كعامل (أجير) يومي في مشروع إعمار مخيم البارد، لكن
للأسف بعد فترة اكتشفت أن المشروع الذي أعمل به قد شارف على الانتهاء، فوجدت نفسي
مرة أخرى عاطلاً عن العمل... حاولت ان أقدم طلب منحة جامعية لدى الاونروا، لكن لم
تكن هناك نتيجة فالأولوية تكون للمتخرج الجديد والذي حصل على درجات عالية جداً.
للإشارة فقط!
يبقى أن نشير
أمام هذا الواقع المؤلم الذي يدور في دوامته الجزء الأكبر من الطلاب الفلسطينيين
في الجامعات اللبنانية، أن معاناة هذه الشريحة الطلابية لا تتوقف عند المرحلة
الجامعية.. فالطالب الفلسطيني - الذي يعتبر العلم سلاحاً له لا يقلّ عن المقاومة
المسلّحة ضد المحتل - وبعد اجتراح المستحيلات لتأمين جزء من رسوم الجامعة أو كلّه،
حتى لو كان قرضاً يستحق الإيفاء بعد فترة، يعيش دوامة أخرى متمثله بإيجاد فرصة
عمل، وخصوصاً لذوي المهن الحرة - أي الأطباء والمهندسين والمحامين، الممنوعين من
العمل في لبنان، مما يضطر - ممن تتاح له الفرصة - السفر إلى خارج لبنان، والعيش في
غربة جديدة لن تكون أفضل بكثير عن غربته الأولى في مخيمات البؤس والحرمان في لبنان.
المصدر: موقع بُكرا
14/11/2011 |