أزمة اللاجئين الفلسطينيين على الحدود التونسية الليبية تتواصل بعد
انحسار الحرب في ليبيا
الإثنين، 03
تشرينالأول، 2011
حتى بعد أن انحسرت
الحرب التي أحرقت أرض ليبيا طوال أشهر، فإن مأساة اللاجئين الذين نزحوا عن ليبيا
هرباً بحياتهم إلى الحدود التونسية – الليبية، ما زالت قائمة. دويتشه فيله زارت
معسكر شوشة لللاجئين وسلطت الضوء على مصيرهم.
في إحدى الخيام في
مخيم شوشة براس جدير على الحدود التونسية-الليبية جلس الفلسطيني عباس محمد ينتظر
موعده الثاني ليتحدث مع وكالة غوث اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. منذ
سبعة أشهر يسكن عباس وستة من أشقائه خيمة داخل المخيم الإماراتي الذي يضم عشرات
العائلات الفلسطينية والعراقية والإفريقية التي لجأت إلى الحدود التونسية بعد
اندلاع الثورة في ليبيا.
يعيش عباس مع أفراد
عائلته الـ12 في خيمة، إلا أن المعضلة الكبرى بالنسبة له تكمن في أن منظمات غوث
اللاجئين منحت اللجوء لأمه، التي تحمل الجنسية الأردنية، وخمسة من إخوته فيما بقي
عباس وإخوته الستة الآخرون في انتظار اللحاق بالعائلة، لكن دون جدوى. إذ رفضت مصر
والأردن استقبال بقية العائلة رغم أن وثيقة سفر عباس صادر من مصر. ويقول عباس متحدثاً
إلى دويتشه فيله عن وضعه الحرج: "لا ندري لماذا رفضت الأردن استقبالنا. نحن
لا نستطيع أن نعود إلى فلسطين والظروف هناك صعبة جداً. لأكثر من سبعة اشهر ونحن
ننتظر هنا. بعض اللاجئين تم قبولهم فذهبوا، وآخرون مازالوا ها. لقد تعبنا من هذا
الوضع".
غاية واحدة فقط
أمضى عباس وعائلته
قرابة 21 عاماً في ليبيا، لكنهم يرفضون اليوم تماماً فكرة العودة إلى هناك حتى بعد
أن هدأت الأمور، فغاية عباس الوحيدة باتت جمع شمل عائلته من جديد، وأن حتى يجتمع
شمل العائلة من جديد.
عبير، شقيقة عباس،
أم لطفل عمره عام ونصف، تركها زوجها بعد أن اختار الهروب بجلده من ويلات الحرب في
ليبيا، وتقول لدويتشه فيله: "رضيعي مريض ويحتاج إلى إجراء عملية والظروف هنا
سيئة، فنحن نسكن في الخلاء بالصحراء. نطلب اللجوء إلى أي بلد آمن. لسنا بحاجة إلى
المال أو الوظائف، نريد فقط أن نشعر مثل بقية الناس بالاستقرار. فما ذنب هذا الطفل
الرضيع حتى يعاني من المرض وسط هذه الصحراء. لقد سئمنا وضعية اللجوء، فالفلسطينيون
معروفون دائما بهذه الوضعية". ورغم رغبة عبير في اللجوء إلى الأردن، حيث توجد
أمها، يطمح عباس إلى أن يحصل على اللجوء في أي بلد أوروبي أو أمريكا، فهو سئم على
حد تعبيره البلدان العربية التي دخلت معظمها في ثورات متلاحقة أفقدتها استقرارها
وأفقدت شعوبها الأمن.
محنة الأطفال
اللاجئين
مئات الخيام
المنصوبة في مخيم شوشة المقسم إلى أحياء مختلفة بحسب الجنسيات، بعد أن قررت منظمات
الإغاثة تقسيم المخيمات حسب الجنسيات في أعقاب مشاحنات خطيرة بين اللاجئين وصلت
إلى حد شجارات عنيفة خلفت جرحى. حوالي أربعة آلاف لاجئ من دارفور ومن السودان ومن
اريتريا ومالي ونيجيريا والكثير من البلدان الإفريقية الأخرى، علاوة على فلسطين
والعراق والصومال، يعيشون وسط خيام منصوبة في صحراء منطقة بن قردان على الحدود مع
ليبيا.
تمر من أمام الخيام
فتجد حدائق صغيرة زرعها اللاجئون ببعض النباتات، يريدون من خلالها أن يدخلوا
القليل من الخضرة على الامتداد الصحراوي حولهم. حول الخيام نشأت محلات تجارية
متواضعة ومطاعم يديرها أهالي منطقة بن قردان ويشغلون فيها بعض اللاجئين بمقابل مادي.
تشعر وأنت تتجول بين خيام اللاجئين أن بلدة صغيرة بدأت معالمها تتشكل هناك، فرغم
قسوة الوضع والفقر صنع اللاجئون من المخيمات حياً صغيراً، تسكنه جنسيات افريقية
وعربية مختلفة.
تعليم الانكليزية
وسط الصحراء
وسط الخيام عائلات
بأسرها وما يسترعي الاهتمام هنا الأطفال، الذين ينشغلون باللعب بالتراب، أطفال
مقطوعون عن العالم وعن دراستهم بعد أن تشتت بعائلاتهم الطرق. وسط مخيم للاجئين من
دارفور جلس المعلم السوداني محمد ممسكاً بكتاب باللغة الانكليزية، وهو يحاول أن
يشرح الدروس لتلاميذه الأطفال، فقد تطوع الأستاذ محمد لتدريس الأطفال داخل
المخيمات.
وساعدت إحدى
المنظمات الإنسانية المعلم محمد على تكوين فصل دراسي ليصبح عدد الأقسام الآن أربعة
فصول. لكن المعلم السوداني يشكو نقصاً كبيراً في فصوله وظروفاً صعبة، مضيفاً:
"لقد صنعنا من الخيام فصولاً للتدريس، لكن الوضع داخل هذه الخيام صعب للغاية
ولا يساعد على التدريس. فدرجة الحرارة مرتفعة والمكان يعج بالسحالي والعقارب. نحن
نفترش الأرض تحت الشمس وينقصنا الكثير من المراجع والكتب والكراسات، كما أن
الأطفال بحاجة إلى الترفيه واللعب أيضاً. تعدنا الكثير من المنظمات الإنسانية
بالمساعدة وتوفير الكتب والكراسات واللعب، لكن تبقى كل هذه وعود لا غير. نحن الآن
مهددون بإغلاق هذه الفصول لأننا لا نجد الإمكانيات، كما أننا لا نملك الإضاءة
وظروف الصرف الصحي سيئة جداً".
وينهي المعلم
السوداني محمد حديثه بتوجيه رسالة إلى العالم قائلاً: "نناشدكم جميعاً، نناشد
المنظمات الإنسانية أن تنظر لكل هذه الظروف السيئة بعين الرحمة. ونحن لا نطلب
الكثير، نطلب فقط لجوءا إلى أي بلد آمن، فبلداننا غير مستقرة والبقاء هنا مسالة
مستحيلة وسط هذه الظروف الصعبة والخطيرة".
ركوب البحر هرباً
من المخيمات
إسحاق أبو بكر
إبراهيم شاب من إقليم دارفور غادر ليبيا عند اندلاع الثورة منذ سبعة أشهر، ويسكن
في المخيم منذ 28 آذار/ مارس 2011. وعانى إبراهيم كثيراً للوصول إلى الحدود
التونسية الليبية بعد أن جردته كتائب القذافي من كل ما يملك. يسكن إسحاق مع أربعة
من الشبان الآخرين خيمة داخل مخيم شوشة. ولم يفكر، مثل الكثير من الشباب الآخرين،
في ركوب البحر للهجرة غير الشرعية، لكنه أعلمنا أن شباناً كثيرين في سنه. سئموا
الظروف الصعبة داخل المخيمات واختاروا الهجرة السرية، ومنهم من فشل وفُقد في عرض
البحر، ومنهم من عاد إلى ليبيا متحملاً خطر الطريق والحرب الدائرة في بعض المدن
الليبية.
لكن أكثر ما يقلق
إبراهيم هو أن المنظمات الإنسانية لا تبذل جهداً كبيراً في ترحيل اللاجئين ومنحهم
اللجوء السياسي، فالإجراءات تأخذ وقتاً طويلاً والمعاناة تتفاقم . ويتوجه إبراهيم
لدويتشه فيله بالحديث قائلاً: "في البداية كانت هناك هبة كبيرة من المنظمات
الإنسانية الدولية ومن أهل مدن الجنوب لتوفير ما نحتاج إليه من مأكل وملبس. لكن
بعد ذلك انسحب الكثيرون وبقينا نعاني ظروفاً سيئة للغاية. هذه الأوضاع سيئة للغاية
ولذلك هناك الكثير من اللاجئين الأفارقة الذين خيروا بين العودة إلى ليبيا أثناء
الحرب فيها، وبين ركوب البحر للهجرة غير الشرعية فماتوا".
"المنظمات
الإنسانية تهربت من مسؤوليتها تجاهنا"
ويشكو إبراهيم
وغيره من اللاجئين من تهرب المنظمات الإنسانية من مسؤوليتها تجاههم على حد تعبيره.
ويضيف في هذا السياق قائلاً: "نحن نطالب بأي مأوى. نناشد منظمة الأمم المتحدة
لشؤون اللاجئين أن تبحث لنا عن أي مأوى في أي دولة فقط لنعيش مثل البشر. منذ أشهر
وملفاتنا مطروحة على المسؤولين في منظمة غوث اللاجئين لكن الحلول لا تأتي".
واستطاعت المنظمات
الإنسانية الموجودة في مخيمات اللاجئين أن ترحل مئات اللاجئين منذ بداية الثورة في
ليبيا. لكن منصور الرقيعي من منظمة الإغاثة الإسلامية التي توفر المئونة للاجئين،
يقول في حديث مع دويتشه فيله: "هناك جهود في منح اللجوء السياسي لبعض
اللاجئين لكن الإشكال الحاصل هو وجود تمييز في اختيار من يتم ترحيلهم .هناك تركيز
على منح اللجوء للمسيحيين على حساب المسلمين من اللاجئين".
وفي ظل هذا الوضع
يزداد امتعاض اللاجئين الذين يتوافدون على مكاتب منظمة الأمم المتحدة في مخيم
شوشة، إذ بدؤوا بالتهديد بالاحتجاج والقيام بإضرابات عن الطعام إذا لم تجد لهم
المنظمات حلولاً في ترحيلهم وتخليصهم من معاناة البقاء في وسط الصحراء.
المصدر: مبروكة خذير -
موقع مؤسسة دويتشه فيله |