متى تنفجر أزمة "أونروا" المستمرة؟
بقلم: ياسر علي
أنشئت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
"أونروا" بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 في 8 ديسمبر/كانون
أول 1949، وتَمَثّل تفويضها الأولي في تقديم "برامج الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل"
للاجئين الفلسطينيين، من أجل "تلافي أحوال المجاعة والبؤس... ودعم السلام والاستقرار".
وهي تُقدم، اليوم، خدماتها ورعايتها لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، يعيشون في
ظروف بائسة، وفي 58 مخيماً موزّعين على مناطق عملها الخمس (لبنان، سورية، الأردن، الضفة
الغربية، قطاع غزة). وقد قدمت للاجئين الخدمات الرئيسية: التعليم والصحة والإغاثة والتوظيف
وإزالة النفايات وتأهيل البنية التحتية والمساكن..؛ ما خفف من معاناتهم، ومكّنهم من
العيش في مخيماتٍ، حافظت على هويتهم الوطنية ونسيجهم الاجتماعي، وساعدهم على التمسك
بحق العودة.
لكن مسلسل التراجع في خدمات "أونروا"
بدأ بعد خروج منظمة التحرير من بيروت عام 1982، انتهازاً لفرصة الضعف السياسي الذي
مرّت به المنظمة، بعد الاجتياح الإسرائيلي، لإدخالها في عملية التسوية، بسبب الضغط
المالي من الدول المانحة. ثم جاء التقليص الدراماتيكي الثاني بعد اتفاق أوسلو عام
1993. وفي مايو/أيار الماضي، أعلن المفوض العام للوكالة، بيير كرينبول، قرارات جديدة
تمسّ جوهر عملها، بذريعة وجود عجز مالي في موازنتها، يبلغ 101 مليون دولار. ومن هذه
الإجراءات: تأجيل العام الدراسي (2015-2016) الذي يبدأ في سبتمبر/أيلول 2015، حتى مطلع
عام 2016. ما كان يعني إغلاق 700 مدرسة، وتشريد 500 ألف تلميذ، وإيقاف رواتب 22646
موظفاً في التعليم. وكذلك رفع سقف عدد الطلاب في الغرف الصفية من 38 تلميذاً إلى
55، ما يؤدي إلى فشل العملية التعليمية والتربوية وزيادة نسبة التسرب والأمية، علماً
أن موازنة التعليم تبلغ أكثر من 65% من ميزانية الوكالة. تراجع تقديمات وكالة
"أونروا" للاجئين الفلسطينيين المقيمين في سورية، والمحاصرين في مخيماتهم
أو النازحين منها، حيث توقفت بدلات السكن والإغاثة لهم. توقف مشروع إعادة إعمار مخيم
نهر البارد في لبنان، بعد كارثة تدميره منذ ثماني سنوات، بعد الرزمة الرابعة من أصل
ثماني، ما يعني بقاء نصف سكان المخيم بلا مأوى. تراجع تقديمات الاستشفاء من 50% إلى
35%، في ظل الوضع الاقتصادي المتردّي لعموم اللاجئين. وذلك كله مع ازدياد نسبة البطالة
في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين إلى أكثر من 65% في مناطق عمل "أونروا" الخمس.
ولأن تنفيذ إدارة "أونروا" هذه
الإجراءات كارثة حقيقية بحق اللاجئين الفلسطينيين، ولأن المجتمع الدولي تخلّى عن مسؤولياته تجاههم، تحرك الفلسطينيون بالاحتجاجات
على هذه القرارات. لكن إدارة الوكالة الأممية اعتمدت سياسة إخافة "أم الصبي"
بذبحه، وألقت كرة النار في حضن الفصائل والناشطين. وتسربت أخبار بأن إلغاء أو تأجيل
العام الدراسي بات حتمياً. وتحرّك الجميع على هذا الأساس. وتسربت، أيضاً، قرارات إدارية
من إدارة "أونروا" إلى الموظفين، بعدم مقاومة أي احتجاج، ولو أدّى إلى إقفال
المكاتب (بمعنى آخر: أنتم المتضررون، ولن تهتز شعرة في "أونروا" تجاه الإقفال).
هنا، شعر الفلسطينيون أن الاحتجاجات ستزيد
الأزمة تأزماً، بسبب عدم اكتراث وكالة الغوث بنتائج الاحتجاجات، فأوقفوها في سبيل إعادة
العام الدراسي إلى مساره الطبيعي وعدم وقفه. وجنّدت الجهود كلها في سبيل هذا الهدف،
وأصدروا البيانات، وأرسلوا الوفود التي تطالب بإنقاذ العام الدراسي، ونجحت الجهود وبدأت
الدراسة في موعدها.
ثم ماذا؟ ما حدث أن القرارات التي رُفضت
سابقاً، قبل الأزمة، جرى تمريرها في ظل الحالة الإسعافية لإنقاذ العام الدراسي، فتمّ
تثبيت قرار سقف الـ 55 تلميذاً في الصف الواحد، وإخراج منكوبي مخيم نهر البارد من مشروع
الطوارئ، حيث لم يعودوا مشمولين بمساعدات الإيجارات وغيرها من المشكلات القائمة. أما
الآن، فما زالت كرة النار الملتهبة تأكل من شعبية الذين حلوا المشكلة، لأن بقية الإشكالات
ما زالت قائمة، على الرغم من شعور الجميع بأنهم حلّوا المشكلة الرئيسية. والنتيجة أن
"أونروا" كانت أقلّ الخاسرين في الأزمة.
والسؤال، كيف ستتصرف وكالة غوث اللاجئين؟
وكيف ستواجهها الفصائل؟ إزاء الأزمة المقبلة في عام 2016، خصوصاً أن العجز سيكون نحو
86 مليون دولار. وتجدُّد الأزمة يحتاج تحركاً مبكراً، ووعياً لعدم الإمساك منفردين
بِكُرة اللهب، وتحميل "أونروا" والمجتمع الدولي المسؤولية، خصوصاً أن العجز
كان مفاجئاً، وأن الوكالة الأممية أهدرت، في الأعوام الخمسة الماضية، نحو سبعين مليون
دولار على برامج أثبتت فشلها.
بقلم: العربي الجديد
|