قراءة في كتاب:
"وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون
الدولي" للكاتب ليكس تاكنبرغ

منظمة ثابت لحق العودة
مقدمة:
كتاب "وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون
الدولي " الذي يفضل الكاتب والباحث الهولندي ليكس تاكنبرغ أن يسميه
"دراسة" صادر عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في بيروت في شهر
آذار 2003، والكتاب مترجم عن اللغة الإنكليزية .
يتميز الكاتب بأنه عاش التجربة الفلسطينية لأكثر
من عشرة سنوات في فلسطين، وتحديداً في قطاع غزة وكُلّف مهمة قيادة عمليات إعادة
تأهيل مخيم جنين والمخيمات الأخرى في الضفة الغربية في أعقاب الاجتياح الصهيوني
المدمر إلى جنين في نيسان 2002، وعمل نائباً للمدير العام لوكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" في سوريا وبعدها اصبح المدير العام،
ويعمل حاليا "كبير مسؤولي قسم الاخلاق والسلوكيات في وكالة "الاونروا"،
وبهذا يعكس الكتاب واقع تجربة ميدانية حية مع اللاجئين الفلسطينيين. تمتاز الدراسة
بعمق البحث القانوني الدولي للاجئين الفلسطينيين خاصة "أن النذر اليسير كتب
عن اللاجئين الفلسطينيين من الناحية القانونية" كما يقول الكاتب.
في اكثر
من 530 صفحة من الحجم الوسط استطاع الكاتب أن يسلط الضوء على المفاصل الرئيسية لاوضاع
اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ويضع الأسس القانونية التي من شانها أن تشكل احد
الأداوات المهمة في تحقيق العودة.
مدخل
الدراسة: التأكيد على حق العودة
"عندما
أغلقنا الباب وضعت أمي المفتاح في جيبها وقالت، لا بد من إصلاح هذه الشرفة عندما
نعود، وما زالت تحتفظ بالمفتاح". بهذه الحكاية المختصرة والمعبرة استعار
الكاتب قول لعالم الاجتماع الفلسطيني ساري ناصر الذي يتذكر الطريقة التي غادرت بها
أسرته قريتها "لفتا" قضاء القدس مسلطاً الضوء على أهمية حق العودة
للاجئين الفلسطينيين.
تعرض
الدراسة قضية اللاجئين في ثلاثة أقسام وعشرة فصول من بداية الصراع بشان فلسطين إلى
ما تم التوصل إليه من نتائج المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الثنائية أو المتعددة
الأطراف أو ما نتج عن مؤتمر مدريد، مبينا أهمية ودور القانون الدولي في حفظ الحق
الفلسطيني، ويطرح جدلية حق العودة في ظل القانون الدولي، ويجيب على تساؤلات عديدة
أهمها عن الحقوق والواجبات التي يتمتع ويلتزم بها اللاجئ الفلسطيني بموجب القانون الدولي
في الدول المضيفة والشتات، ويعطي الأهمية إلى "النازحين" من اللاجئين
والى أي حد يتمتع الفلسطينيون بالحماية الدولية، أي الحماية المنصوص عليها في
قانون اللاجئين الدولي والى أي مدى تعتبر قواعد القانون الدولي المطبقة ذات صلة
بعملية التسوية في "الشرق الاوسط؟"، ويعطي الكاتب فسحة مهمة لوكالة "الاونروا"
بحيث يعتبرها المنظمة الدولية المعنية بإدارة شؤون اللاجئين خدماتيا "لحين
عودتهم إلى ديارهم"، ويحلل القرارات المختلفة الصادرة عن الأمم المتحدة
وعملية تطويرها وانسجامها مع حاجة اللاجئين الفلسطينيين إليها ويشرح التعنت
الإسرائيلي في رفض العديد من تلك القرارات وعلى رأسها قرار حق العودة .
وبما أن
قانون اللاجئين الدولي لا يحدد وضع اللاجئين الفلسطينيين بوضوح كاف فقد تطرق
الكاتب وبشكل موسع إلى الحماية الدولية للاجئ الفلسطيني والمفهوم القانوني لهذه
الحماية إذ يعتبر الكاتب أن الحماية الدولية للاجئ تبدأ "في اللحظة التي
تتوقف فيها السلطات في البلد الام عن توفير الحماية له وتستمر إلى أن يتم التوصل
إلى حل دائم وبصورة مثالية استعادة الحماية الوطنية للاجئ من قبل بلده".
الأمم المتحدة وقضية اللاجئين
يبدأ الكاتب بالبحث في الهجرة القصرية التي حصلت
للشعب الفلسطيني إبان النكبة في العام 48 والنكسة في العام 1967 معللا ذلك
بالشواهد والأمثلة ومسلطا الضوء على المعاناة والظروف الإنسانية والقانونية الصعبة
التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني جراء عملية الطرد والتهجير ويحمِّل (إسرائيل)
المسؤولية باعتبار إقامتها دولتها على ارض أصولهم (أي أصول الفلسطينيين)، ويعتبر
أن المجتمع الدولي أنصف اللاجئين باعتباره اقر لهم حق العودة إلى الأهل والديار
لمن يرغب في ذلك، مبيناً التعنت الإسرائيلي في رفض هذه العودة. وقد ذكر الكاتب
أيضا بأن اللاجئ الفلسطيني من مشاكله القانونية المعقدة بان المعظم من اللاجئين هم
من "عديمي الجنسية" وان الشخص العديم الجنسية برأيه هو "افتقار
الشخص إلى جواز سفر لدولة ما وانعدام خيار العودة إلى بلده" وهذا ينطبق على
اللاجئ الفلسطيني.
ويعتبر
الكاتب "أن الأمم المتحدة لم تتعاط مع أية قضية أخرى بالشكل الذي تعاطت معه
مع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فمنذ العام 1947 وحتى منتصف
العام 1987 كان مجلس الأمن قد اتخذ 600 قرارا تقريبا، يتعلق نحو 200 منها بالصراع
العربي الإسرائيلي بمختلف جوانبه".
وتحدث عن
نشوء وكالة "الاونروا" وإنشاء لجنة التوفيق الدولية التابعة للأمم
المتحدة بموجب القرار 194 التي من احدى مهامها تنفيذ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين
إلى بيوتهم، ويتحدث الكاتب عن أن أول بعثة تكلفت من قبل لجنة التوفيق الدولية
بالإعداد لتوطين اللاجئين في أماكن تواجدهم هي بعثة غوردون كلاب في 23 من شهر آب
1949 والتي بعد إعداد المسح وصفت وضع اللاجئين على النحو التالي: "لماذا لا
يعود اللاجئون إلى ديارهم ويحلون مشاكلهم؟ هذا ما يريده معظمهم وهم يؤمنون من باب
الحق والعدل بأنه يجب السماح لهم بالعودة إلى منازلهم وحقولهم وقراهم والى مدينتي
حيفا ويافا على الساحل حيث أتى الكثيرون منهم".
اللاجئون
الفلسطينيون وغيرهم من اللاجئين
ينتقل
الكاتب ليتحدث عن "مفهوم اللاجئ الفلسطيني" والمصطلحات المستخدمة
والتعريفات المختلفة المتعلقة باللاجئين فمن مصطلح "لاجئي فلسطين" إلى
مصطلح "اللاجئ الفلسطيني" إلى
"حالة اللجوء" و "فلسطين الانتداب" وسواها من المصطلحات التي
لكل منها تعريفه الخاص بالقانون الدولي.
ويعتبر الكاتب أن المجتمع الدولي قرر في بداية
الخمسينات تمييز اللاجئين الفلسطينيين عن غيرهم من اللاجئين ولم تشملهم اتفاقية
العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين خاصة تلك المتعلقة "بتامين الحماية للاجئين
والأشخاص عديمي الجنسية". إذ يعتبر أن إقرار النظام الأساسي للمفوضية السامية
للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وضع حيز التنفيذ في كانون الأول ديسمبر من العام
1950 وتم اعتماده بشكل رسمي في 28 تموز / يوليو 1951 ، وان الجدل الحقيقي حول
اللاجئين الفلسطينيين بدأ في تموز 1951 ، وضمن تعريفات اللاجئين فان الولايات
المتحدة الأمريكية هي التي أبدت تحفظا على استثناء اللاجئين الفلسطينيين من
اتفاقية العام 1951 "لاسباب مالية" إذ يذكر الكاتب بان المندوب الأمريكي
لدى الأمم المتحدة لم يقدم "أسبابا محددة لاستثناء اللاجئين الفلسطينيين من
تعريف "اللاجئين الجدد" باعتبار ان اللجان توصلت إلى تعريف بان المفوضية
السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشمل الأشخاص الذين اصبحوا لاجئين "نتيجة
أحداث وقعت في أوروبا قبل الأول من كانون الثاني / يناير 1951" . وجاء في
مداخلة المندوب الأمريكي "أن تعريف (اللاجئ الفلسطيني) بالغ الغموض يعادل ان
جاز القول شيكا على بياض، لهو تعريف غير كاف ..لذلك لم تعتبر حكومة الولايات
المتحدة انه يجب إدراج مجوعات معينة في إطار الاتفاق مثل 600.000 من اللاجئين
العرب الذين وضعت الأمم المتحدة ترتيبات خاصة بهم..وصحيح أن وجود هذه الجماعات
أثار مشكلة إنسانية بالغة الخطورة لكن لا يمكن حل تلك المشكلة في إطار الاتفاقية
التي يجب تطبيقها من حيث المبدأ على لاجئي منظمة اللاجئين الدولية فقط".
الحماية
الدولية للاجئين الفلسطينيين
طالما أن دولة الكيان الصهيوني قد وقعت على
اتفاقية العام 1951 إضافة إلى البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين المؤرخ في 31 كانون
الثاني / يناير 1967 إذ توفر هاتان الأداتان معايير لمعاملة اللاجئين في اكثر من
130 دولة، يجد الكاتب "أن الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين بقيا تحت ولاية
إسرائيل الفعلية نحو ثلاثين عاما وما زالتا تحت سيطرتهما التامة حتى بعد إنشاء
الحكم الذاتي المحدود يجب اعتبارهما ارض بالمعنى الوارد في اتفاقية 1951 وينسجم
هذا الاعتبار مع تطور قانون حقوق الإنسان الذي يتزايد فيه التشديد على الدولة التي
تمارس الولاية بدلا من المفهوم التقليدي للسيادة الإقليمية، وهذا على صلة وثيقة
نظريا بالفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وان كانت اتفاقية 1951 لا تنطبق
على اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون حاليا مساعدة من الاونروا". ويبدو ان
الدول التي وقعت الاتفاقية و/ أو البروتوكول حسب رأي الكاتب معارضة في معظمها فسح
المجال أمام اللاجئين الفلسطينيين للاستفادة من هاتين الأداتين. ربما يرجع الأمر
في ذلك الى كون تلك الدول تواجه جيلا ثانيا وثالثا وحتى رابعا متحدرا من اللاجئين
الأصليين وهكذا فقد تجد هذه الدول صعوبة في منح وضع لاجئ تلقائيا لأشخاص لا عماد
لدعواهم سوى تحدرهم ..فلا فارق بالنسبة للكاتب "سواء كان الواحد منهم من
الجيل الأول في الثامنة والسبعين من العمر أو كان رضيعا من الجيل الرابع لا يتجاوز
الثمانية اشهر لان مستقبلهما المشترك هو أن وضعهما القانوني يبقى وضع لاجئ وعديم
الجنسية الذي يفتقر إلى حماية وطنية". وخلافا للفئات الأخرى فقد استحال طوال
اكثر من ستة عقود إيجاد حل يحرر هؤلاء اللاجئين من وصمة لاجئ. وهم لذلك تشبثوا
أيضا بكل ما من شانه تأكيد وضعهم كلاجئين : "المخيمات وحصة الإعاشة ( الاونروا
) كبقايا لحالة اللجوء".
ويعتبر الكاتب أن قضية اللاجئين الفلسطينيين
مشكلة دولية يتحمل عبئها في المقام الأول "العالم العربي" ويعتبر أن
هناك مبدآن رئيسيان أثرا في مواقف الدول الأعضاء في الجامعة العربية حيال اللاجئين
الفلسطينيين وهذان المبدآن وان لم يكونا منسجمين بالضرورة كانا ملائمين سياسيا في
ذلك الوقت، كان المبدأ الأول تضامن العرب وتعاطفهم مع اللاجئين وقد أدى نظريا على
الأقل إلى قرار مجلس الجامعة بمنح اللاجئين الفلسطينيين الإقامة والحق في العمل
أسوة بمواطني الدول الأعضاء. وكان المبدأ الثاني الحفاظ على الهوية الفلسطينية
وتأكيد بقاء وضع الفلسطينيين كلاجئين لتجنب إعطاء (إسرائيل) عذرا للتنصل من
مسئوليتها عن محنتهم . لذلك رفضت الحكومات العربية من حيث المبدأ المساهمة في
ميزانية "الاونروا".
اللاجئون وجامعة الدول العربية
يرى الكاتب أن ميثاق الجامعة لم يذكر صراحة
"أن اللاجئين الفلسطينيين موضوع اهتمام الجامعة" فقد تمت معالجة وضعهم وفقا للمادة الثانية التي
تنص على تقوية العلاقات بين الدول الأعضاء وتنسيق سياساتها لتحقيق التعاون فيما
بينها وحماية استقلالها وسيادتها ..."
وقد صدر عن الجامعة في العام 1954 قرارا يقضي
بموجبه توحيد وثائق سفر مؤقتة للاجئين وتسهيل تحركاتهم، وينص القرار على "أن
يعامل حاملو الوثيقة على أراضي الدول الأعضاء المعاملة نفسها التي يلقاها مواطنو
تلك الدول فيما يتعلق بالتأشيرات والإقامة. وفي اليوم نفسه اتخذ مجلس الجامعة
قرارا بإعفاء اللاجئين الفلسطينيين من رسوم إصدار التأشيرة وتجديد وثائق السفر .
لكن هذا القرار "لم ينفذ قط على الوجه الصحيح".
وكالة
الاونروا
ويسلط الكاتب بعد ذلك الضوء على الوكالة الدولية
الاونروا وتعريفها للاجئ الفلسطيني ويعتبر أن المنظمة الدولية لم تقم بتسجيل دقيق
شامل لجميع (لاجئي فلسطين) إذ أن عملية الإحصاء التي أجريت خلال سنتي 1950 و 1951
أدت إلى تنقيص نحو 82000 شخص وقد "حالت حكومات الدول المضيفة دون المحاولات
اللاحقة للقيام بإحصاء". وقد مر التعريف باللاجئ الفلسطيني بمراحل عدة من
التعريف البريطاني إلى الأمريكي إلى العربي إلى منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى
الجمعيات والمؤسسات الأهلية إلى أن توصلت الاونروا في النهاية للتعريف التالي بأنه
"كل شخص كانت فلسطين مكان إقامته المعتادة خلال الفترة بين الأول من حزيران /
يونيو 1946 إلى 15 أيار / مايو 1948 وفقد منزله وسبل معيشته معا نتيجة الصراع سنة
1948" .
ويحسم الكاتب الجدل القائم حول بعض التعريفات
التي تحاول أن تفرق بين اللاجئ الفلسطيني الذي غادر قبل النكبة بهدف العمل أو
الزيارة أو الدراسة أو أي سبب آخر غير عمليات الطرد الصهيوني بأنه "إذا كان
هؤلاء الأشخاص غير قادرين على العودة إلى فلسطين بسبب الصراع فان ذلك يعني ضمنا
وبصورة تلقائية انهم فقدوا سبيل الوصول إلى منازلهم" ويعتبر الكاتب انه طالما
أن طول فترة تمديد المغادرة من فلسطين إلى الآن غير معروفة "تبقى تلك المغادرة
تعتبر ناجمة عن صراع 1948" وانه يطلق على الفلسطيني بهذه المواصفات
"لاجئ حيث هو".
ويعتبر الكاتب أن وكالة "الاونروا" تمارس
في سياستها تجاه اللاجئين تمييزا على أساس الجنس يتعارض مع القوانين الدولية حيث
أن "الاونروا" "لا تسجل الأطفال الذين يولدون لام لاجئة مسجلة
ومتزوجة برجل غير مسجل، ومن الناحية الأخرى فان الرجال المسجلين الذين يتزوجون
بنساء غير مسجلات يحق لهم تسجيل أولادهم" ونقل عن الكاتبة كريستين سيرفناك
تحليلها لهذه الاتفاقية بان هذا الأمر "يتنافى بصورة فاضحة مع القواعد
القانونية الدولية، فالاونروا تحرم النساء خدمات أساسية لا غنى عنها والحقوق
الكاملة لوضع اللاجئ لمجرد كون المرأة متزوجة برجل غير مسجل". وان هذا
التمييز "يمنع الاونروا من القيام بالمهمة التي فوضت إليها .."
وتعليقا على نكسة العام 1967 وما آلت إليها من
نتائج سلبية على اللاجئين المسجلين الذي لجؤوا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والذين
قدرت أعدادهم 162.500 من الضفة الغربية و 15.000 من قطاع غزة ، ثم انضم إليهم
240.000 من المقيمين بالضفة الغربية وقطاع غزة فقد تم تسمية الأشخاص الذين هربوا
من الضفة الغربية وقطاع غزة بالنازحين غير
المسجلين، فقد باشرت الاونروا تقديم خدماتها مباشرة من خلال إقامة مخيمات الطوارئ
وسواها ..
وضع اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة
ينتقل الكاتب ليستعرض وضع اللاجئين الفلسطينيين
في الدول المضيفة واعدادهم وآلية تعاطي كل دولة معهم في سوريا، الأردن، مصر،
العراق، الكويت ودول الخليج الأخرى، ليبيا ودول المغرب العربي ويتوقف عند اللاجئين
الفلسطينيين في لبنان مقارنا وضع اللاجئين في سوريا والأردن بانتهاجهما سياسة
مدروسة كل على طريقته لدمج اللاجئين في مجتمعيهما، لكن الحكومة اللبنانية على نقيضيهما
منعت استيعاب الفلسطينيين. فالفلسطينيون منذ وصولهم في الفترة 1947 – 1948 كانوا يشكلون 10% من
مجموع السكان وكانت المؤسسة الحاكمة اللبنانية تنظر إليهم على انهم مصدر تهديد
للتوازن الدقيق بين المسلمين والمسيحيين ومن ثم للاستقرار السياسي والاجتماعي".
ليس هذا فحسب بل أن الدول المضيفة إن كان الأردن أو سورية أو العراق قبل الاحتلال
الأمريكي توفر جميع الخدمات الحكومية بما في ذلك التعليم والصحة والرعاية
الاجتماعية وكذلك كانت مصر إلا أن بعد حرب الخليج تغيرت سياستها، أما في لبنان فان
الخدمات الحكومية غير متاحة للاجئين الفلسطينيين قط .
المفاوضات
والتسوية
ويعلق
الكاتب على ما عرضه رئيس الجانب الفلسطيني – الأردني المشترك خلال
الاجتماع الأول لمجموعة العمل المتعددة الأطراف الخاصة باللاجئين والمتعلقة
بالتعريف الجديد للاجئين ضمن ما تم الاتفاق عليه بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل)
بأنه من الناحية القانونية "غير مرض" لانه حسب التعريف الجديد فان
اللاجئون الفلسطينيون هم اولائك الفلسطينيون (والمتحدرون منهم) جميعا الذين طردوا
أو اجبروا على ترك بيوتهم بين تشرين الثاني نوفمبر 1947 (خطة التقسيم) وكانون
الثاني / يناير 1949 (اتفاقية الهدنة في رودس)، من الأراضي التي سيطرت عليها
(إسرائيل) في ذلك التاريخ الأخير "وهذا " يتوافق مع التعريف الإسرائيلي
(للغائبين) وهم فئة من الفلسطينيين كان يقصد من تصنيفهم على هذا الشكل تجريدهم من
ابسط حقوقهم الإنسانية والمدنية "وهذا التعريف لا يشمل المهاجرين الذين
غادروا فلسطين قبل سنة 1947 وانما يشمل النازحين منهم، حتى ضمن الأراضي التي أصبحت
لاحقاً دولة (إسرائيل) في فترة 1948 – 1949 كما انه يشمل جميع الأشخاص النازحين سنة 1967 أو بعدها
".
القانون
الإنساني واللاجئين
طالما أن
اللاجئ الفلسطيني يعيش في ظل الاحتلال كما هو الحال في الضفة الغربية وقطاع غزة،
إذ بعد حرب العام 1967 كما يذكر الكاتب فقد "وقعت هاتان المنطقتان تحت
السيطرة العسكرية الإسرائيلية فتغير وضعهما إلى أراض محتلة وتغير أيضا وضع
اللاجئين فيهما فبالإضافة إلى كونهم لاجئين اصبحوا أشخاصا محميين بالقانون الدولي
الإنساني".
وحول
الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة ، يستعرض الكاتب
أنواع الانتهاكات التي رفعها الفلسطينيون إلى المجتمع الدولي واعتبروها من
انتهاكات حقوق الإنسان الصريحة ويعترف الكاتب بان معظمها "انتهاكات فاضحة لاتفاقية
جنيف"والتي تتلخص في التالي: "
·
فرض حظر
تجوال طويل الأمد وتنفيذه بأساليب لا إنسانية
·
استخدام
أساليب الاستجواب القاسية من قبل أجهزة الأمن العام المعروفة (بالشين بيت)
·
الاستيلاء
على الأراضي في المنطقة المحتلة .
·
إبعاد
الأفراد ومنع جمع شمل العائلات .
·
إعاقة
التعليم وإغلاق المدارس والجامعات .
·
تدمير و
/ أو ختم البيوت العائدة لعائلة أو أقارب الأشخاص المشتبه بارتكابهم مخالفات أمنية
".
حق
العودة والقانون الدولي :
"لم
يكن من الضروري تقنين حق العودة" يقول الكاتب لان حق العودة كمفهوم قانوني
"يعطي القليل من الانتباه" باعتبار انه شيء بديهي ومألوف جدا في سياق
الحياة اليومية "إلا أن حق العودة بحاجة إلى حماية في ظل الأوضاع التي حصلت
للاجئين الفلسطينيين بحيث تم طردهم وسلبهم ممتلكاتهم وتتنكر (إسرائيل) لهذا الحق،
ويروي الكاتب عن بيرنز الذي اختص بالتعليق على شؤون الشرق الأوسط لفترة طويلة من
الوقت بان هذا الحق "لب مادة التاريخ التي تدرس للأطفال في مخيمات اللاجئين
في مختلف أنحاء المنطقة وهي دائما الفكرة الأولى التي يعبر عنها الفلسطينيون
العاديون لدى مناقشتهم مشكلات الشرق الأوسط".
ويذهب الكاتب إلى التنكر الفظيع للإسرائيليين من
حق العودة على لسان اسحاق شامير رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق في العام 1992
"إن حق العودة هي عبارة فارغة لا معنى لها على الإطلاق ولن يحدث ذلك بأية
طريقة، ويوجد فقط حق عودة يهودي إلى ارض إسرائيل".
ويحلل
الكاتب القرار 194 الذي ينص على حق العودة للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم ويرى أن
عبارة "اقرب تاريخ ممكن" لم تؤد الغرض المطلوب حيث انه تم استبدال كلمة
"ممكن" بـ "عملي" لتصبح "اقرب تاريخ عملي" كدليل
على اخذ الأمر على محمل الجد من قبل المجتمع الدولي والسير فيه بطريقة عملية مؤكدة
.
ويشير
الكاتب إلى انه منذ العام 1969 اتخذت الجمعية العامة منحى جديدا في التعامل مع
قضية اللاجئين الفلسطينيين فالقرارات الصادرة بعد ذلك التاريخ لم تعد تتوقف عند
إثارة حق العودة فقط وانما شرعت في الحديث عن حق تقرير المصير للفلسطينيين واول
قرار يتحدث عن ذلك كان القرار 2535 باء لسنة 1969 إذ تبدا أولى الفقرات في مقدمته
بـ "الإقرار" أن "مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين ناشئة عن إنكار
حقوقهم غير القابلة للتصرف المقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق
الإنسان".
ويشدد
الكاتب على حق اللاجئين في العودة وفقا للقرارات الدولية ويشير إلى القرار رقم
3236 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1973 الذي جاء فيه ما يوضح
العلاقة بين حق تقرير المصير وحق العودة "إن الاحترام التام لحقوق شعب فلسطين
غير القابلة للتصرف وتحقيقها وخصوصا حقه في تقرير مصيره لا بد منها لتوطيد سلام
عادل ودائم في الشرق الأوسط وان تمتع اللاجئين العرب الفلسطينيين بالحق في العودة
إلى ديارهم واملاكهم لا بد منه لممارسة شعب فلسطين حقه في تقرير مصيره".
الحل
الدائم
يستعرض الكاتب عدد من الحلول التي تطرح دائما على
اللاجئين بشكل عام إن كان العودة إلى الأصول أو التوطين في بلد اللجوء أو التوطين
في بلد ثالث ليخلص بالقول "إن العودة الطوعية إلى الوطن بسلام وكرامة هي الحل
المفضل لأي لاجئ". ويخلص الكاتب إلى القول بان "اللاجئين
والمجتمع الدولي معا طالبا بالعودة الطوعية إلى الوطن" وان "المجتمع
الدولي خاصة في الثمانينيات كفل لهم هذا الحق". ويشدد على إعطاء الخيار
الطوعي للاجئ الفلسطيني في العودة إما إلى الدولة الفلسطينية في حال قيامها
باعتبار أنها ستحرر اللاجئين من وصمة اللجوء بعودة من يريد إليها وبقاء لمن يرغب
في دول اللجوء مع حصوله على كامل حقوقه، وأيضا العودة للأصول أي القرى والمدن
الفلسطينية أيضا لمن أراد ذلك".
لكن في المقابل لم يتبادر الى ذهن اي من اللاجئين
الفلسطينيين يوما من الايام بان هناك من يعرض عليهم المفاضلة في الاماكن التي
يريدون العودة اليها في فلسطين، او مجرد التفكير بمساحة المغريات التي ممكن ان
تقدم لتشكل حائلا دون العودة الى الاصول كما سماها الكاتب، فتكريس الحق في العودة
واجب اممي ثابت يجب ممارسته على الاحتلال ولا نقاش على خيار العودة.
بيروت في 27/1/2012
|