بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ محمود إبراهيم الصمادي مثال اللاجئ الفلسطيني المثقف.
العودة - مخيم اليرموك
من مواليد قرية لوبية قضاء طبرية عام 1928. عرف عنه حبه للجهاد والعلم، ولندع الحديث عن الجهاد لوقت آخر ونتكلم عن العلم والثقافة والكتب ومدرسة القرية وغيرها مما كان له الأثر الكبير في تكوين شخصيته الفذة، شخصية اللاجئ النموذج قبل النكبة، وبعدها شخصية العامل العالم؛ فقد عمل في شبابه وتعلم وعلَّم. زرناه عدة مرات، وفي كل مرة كنا نجلس في غرفته الأرضية التي حولها إلى مكتبة عامة، فلا يرى الزائر لغرفته إلا السقف والشباك المطل على شارع مفلح السالم؛ لأن جدران الغرفة مغطاة برفوف الكتب التي علت السقف، لكننا في المرة الأخيرة شاهدنا الجدران ولم نشاهد الكتب!!
كيف كانت رحلتك مع القراءة والكتاب منذ نعومة أظفارك؟
الذي حببني في الكتاب الأستاذ نصري نخلة الذي كان مديراً لمدرسة لوبية، وخالي محمود قاسم العيساوي. فنصري نخلة كانيحضر معه بعض روايات جرجي زيدان من بلدته الناصرة عندما يرجع بعد عطلة نهاية الأسبوع. كنت في الصف الثالث الابتدائي، وكان يعيرها لبعض الطلاب، وكنت شغوفاً بقراءتها. وأذكر أنني قرأت سبع عشرة رواية، منها عروس فرغانة، الأمين والمأمون، فتح الأندلس، وغيرها. أما خالي محمود قاسم العيساوي، فكان متخرجاً من المدرسة الرشيدية في القدس، وكان يسكن في قرية طرعان التابعة للناصرة. في بيته مكتبة كبيرة، وكان ـ كلما أزوره ـ يهديني بعض القصص القصيرة ويشجعني على القراءة.
ما أول صحيفة عرفتها في فلسطين؟
أول صحيفة اطلعت عليها هي صحيفة "الدفاع"، كان يصدرها الأستاذ إبراهيم الشنطي، وجريدة "فلسطين" التي كان يصدرها الأستاذ عيسى العيسى، وكنت كلما نزلت على طبرية أو حيفا أو يافا أشتريها وأجلبها للقرية ليقرأها غيري، وكان عمري آنذاك ثلاثة عشر عاماً. وكنت أقرأ الصحف المصرية، وكذا المجلات كلما زرت يافا أو حيفا، وأذكر منها الأهرام وروايات الهلال وغيرها.
ما الذكرى الثقافية التي ما زلت تذكرها؟
لم أنس يوماً ثقافياً كبيراً. يومها يمّمت شطر مدينة يافا في ذكرى أربعين الأمير شكيب أرسلان، وذلك عام 1946. كان عمري حينها 18 عاماً، وأذكر الكلمات اتي ألقيت في هذه المناسبة، منها كلمات الأساتذة العلماء من فلسطين ومصر وسورية محمد علي علوبة، وخليل السكاكيني، ونجيب الأرمنازي، وعبد المنعم الرفاعي، ومن المغرب عبد الله كنون. كنت أتوق للأخبار الثقافية كلما نزلت إلى حيفا أو يافا أو طبرية. قبل النكبة بعامين، حاولت في رحلة شاقة أن أصل إلى مصر العربية، من أجل الدراسة في الأزهر، فوصلت إلى العريش، لكنني فشلت؛ لأنني لم أكن أحمل أي وثيقة إثبات.
كيف تابعت رحلة الكتاب بعد النكبة؟
كنت جريحاً في مشفى المزة العسكري، ولما تماثلت للشفاء، لم يكن في جيبي إلا قرشان، فاشتريت بهما جريدة لأطلع على أخبار فلسطين، وبعد خروجي من المشفى سألت عن زوجتي وطفلتي وأهلي، فعلمت أنهم في بعلبك بلبنان. ذهبت إلى سوق الهال في دمشق، فاشتغلت عدة أيام لأؤمن أجرة الطريق، وبعدها وصلت إلى بعلبك، وصرت أسال عن أهلي حتى وجدتهم. لم يطب لي المقام هناك، فيمّمت إلى دمشق، ولما تأسس مخيم اليرموك عام 1954 أقمت فيه إلى يومنا هذا.
مَن من العلماء الذين تأثرت بهم؟
حضرت عند عدد من العلماء في المساجد، وصرت أتردد على المكتبات ودور العلم. حضرت عند الشيخ ناصر الدين الألباني منذ عام 1949 في أحد مساجد دمشق القريبة من المسجد الأموي، وتعلمت منه علم الرجال والحديث، وحضرت عند الشيخ محمد أحمد دهمان وتعلمت منه التحقيق وقراءة المخطوطات.
كيف كانت بداية مكتبتك؟
كنت حريصاً على شراء الكتب، فاشتريت كثيراً من كتب التفاسير والحديث والتاريخ والتراجم واللغة وغيرها، حتى ضاق المكان بالكتب. واهتممت كثيراً بالكتب التي تناولت القضية الفلسطينية والدولة العثمانية. فمن الكتب الفلسطينية التي اشتريتها مجلدات "بلادنا فلسطين" لمصطفى مراد الدباغ التي جمعت بعضها من دمشق وبعضها من بيروت وبعضها من عمان. هذا في طبعته الأولى، حيث إنه خرج منجّماً عن دار الطليعة في بيروت. واقتنيت أيضاً كتب عارف العارف، كالنكبة وتاريخ بئر السبع والمفصّل في تاريخ القدس وغيرها. كذلك، كتب الأستاذ وليد سامح الخالدي وكتب الأستاذ محمد عزة دروزة، والمقام لا يسمح بذكر الأعلام الأفذاذ الذين أرخوا للقضية الفلسطينية. وظللت حريصاً على الاشتراك بمجلة "فلسطين" التي كان يصدرها الحاج محمد أمين الحسيني منذ بداية ستينيات القرن الماضي حتى توقفها ببيروت بعد سنوات من وفاة المفتي.
ما هي الكتب الفلسطينية التي أعجبت بها؟
أعجبت بكتاب المرحوم مصطفى مراد الدباغ "بلادنا فلسطين"، وأظن أنه موسوعة شاملة عن قرى فلسطين ومدنها وأعلامها، قامت بجهود فرد واحد؛ فهو لم ينسَ أي قرية أو خربة إلا ذكرها. وكان المرحوم يعتصر ألماً عند ذكر البلاد؛ فعاطفته غلبته في كثير من الأحيان. كذلك تأثرت بكتب عارف العارف وأحمد الشقيري ومذكرات الحاج أمين الحسيني وكتب الأستاذ وليد ابن علامة فلسطين أحمد سامح الخالدي.
ماذا حل بمكتبتك؟
بعد أن جمعت كتبي منذ قدومي إلى دمشق، وبعد أن طال بي العمر، رأيت أن ينتفع بها الناس، فتبرعت بها لأحد المعاهد الشرعية التي يشرف عليها الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، إلا أنني أبقيت عندي الفلسطينيات.
مَن من الأعلام الفلسطينيين المعجب بهم من القدماء والمعاصرين؟
أعجبت بالمفتي الحاج أمين الحسيني وبمحمد عزة دروزة وبمصطفى مراد الدباغ وغيرهم. أما من المعاصرين، فبالشيخ أحمد ياسين وبعبد العزيز الرنتيسي وبكل من ساهم في رفعة فلسطين وأهلها. |