زوار المضافة
تتعدد الشرائح المجتمعة والمستويات الثقافية التي تزور المضافة وهي ليست حكرا على عائلات القرية وانما تتعداها لتشمل استقبال عائلات اخرى ومؤسسات ومرجعيات... وعادة تكون طريقة الجلوس على الأرض ويتم تناول القهوة العربية الخاصة كتقليد لاستقبال واكرام الضيف، وترى جدران المضافة مكسوة بصور شهداء القرية او نسخ عن الكواشين واوراق الطابو وبعض المقتنيات التي حملها الاجداد معهم ابان النكبة والعلم الفلسطيني والخريطة وصورة قبة الصخرة والمسجد الاقصى وغيرها من الصور الفوتوغرافية لافراد من العائلة في فلسطين قبل النكبة، عدا عن وجود المطرزات التراثية، هذا واحيانا تجتمع الأجيال الأربعة للبحث والتشاور في مختلف الأمور .
والبعض من أبناء تلك المضافات قد ساهم في تطوير الفكرة وكانت له المضافة التي تحمل اسم عائلته بحيث تتكامل مع الاهداف الرئيسية، فمثلا عائلة رباح في مخيم عين الحلوة من قرية حطين اصبح لها مضافتها الخاصة التي تعرف بمضافة حطين او مضافة عائلة كعوش في مخيم المية ومية التي تنتمي إلى قرية ميرون، واستمرارا في الحفاظ على تقليد المضافة في فلسطين فان اول ما قامت به عائلة كعوش بعد لجوئها الى لبنان في العام 48 بان حولت احدى الخيم التي وزعت عليها، بمثابة مضافة يتوافد عليها الأقارب والمعارف.
التنسيق بين المضافات
ولكي لا يكون عمل المضافة منفصلا عن عمل البقية فجميع من قابلتهم "ثابت" اثنى على مقترح تشكيل مجلس يضم جميع المضافات بحيث يضع رؤيا وتطلعات للعمل في المستقبل تأخذ بعين الاعتبار تنمية الروح الوطنية بين العائلات وتعزيز وتقوية العلاقات والتعارف فيما بينها وتبادل المعلومات والثقافات الخاصة... مع احترام خصوصية كل مضافة وهذا الأمر لا يزال في طور البحث والمناقشة، وقد خطت كل من جمعية لوبية وجمعية الحولة خطوة في هذا الاتجاه حين عقدت الجمعيتان لقاء تعارفي في مكتبة جمعية الحولة في 23/9/2011
كتاب لكل قرية :
تنشط حركة المضافة في توثيق تاريخ القرية وترسيخ مفهومها النظري ليس فقط من خلال اللقاءات الدورية التي تعقد إن كان بين أبناء العائلة الواحدة أو عائلات القرية إنما يتعداها إلى السعي الدؤوب إلى توثيق القرية من خلال الكتاب الذي يحفظ المعلومات وتتناقله الأجيال، وهذا ما حصل بالفعل للعديد من القرى الفلسطينية مثل الشيخ داود والشيخ دنون والغابسية والدامون وقديثا ودير القاسي والكابري والظاهرية..وسواها بحيث تعمد الطبقة المثقفة من أبناء القرية لجمع المعلومات من كبار السن ممن ولدوا في فلسطين والتي تشمل أسماء العائلات وظروف العيش والمأكل والمشرب والملبس واحياء المناسبات والحدود الجغرافية والمعالم التاريخية والأثرية والمهن والمزروعات والصناعة والتجارة واسماء المدارس والمساجد والكنائس ..والجدير ذكره أيضا بان هناك من الكتب ما يحوي صورا فوتوغرافية لفلسطينيين عاشوا في فلسطين مثل مختار القرية وإمام المسجد وسواهما وافراد من العائلات ..
وليس هذا فحسب فمن محضن المضافة أيضا، قد بدأ العمل على تطوير وتوسيع دائرة التوثيق لتشمل توثيق الحكايات والأمثال الشعبية الخاصة بكل قرية والتي تكون حاضرة في المضافة، وكان للأستاذ جهاد دكور من قرية قديثا قضاء صفد مساهماته الغنية في هذا المجال، الذي يحدثنا عن المنهجية التي اتبعها في تاليف كتابه التوثيقي "حكاية الجليل" بأنه يكتب المثل بالطريقة " المحكية " ويتم كتابة معنى الكلمة التي تلفظ بالعامية بشكل قاموس خاص بحيث يتم فهم معنى المثل أو الهدف من الحكاية.
فيلم عن كل قرية :
يحدثنا الحاج حسن مسعد ظاهر "أبو مصباح" وهو رئيس مضافة قرية دير القاسي تولّد عام 1934 بأنه " تم تصوير قرية دير القاسي المدمرة بواسطة كاميرا فيديو وذلك خلال زيارة قام بها بعض من أهالي القرية عن طريق الصليب الأحمر الدولي بعد الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان في العام 1982 ، وقد تم سحب نسخ من الأفلام لعائلات القرية وذلك حرصا منا على الجيل الناشئ ليس فقط أن يسمع أو يقرأ المعلومات عن القرية وانما أن يربط بين ما يسمع ويقرأ ويشاهد وبالتالي لن ينسى". وتعميقا للحفاظ على التاريخ الشفوي ولربط المضافات الفلسطينية فان مؤسسة رؤى للانتاج الفني قد حدثنا مديرها الاستاذ محمد ابراهيم عن انه استطاع ان يوثق لاكثر من 140 ساعة تصويرية يحكي عن القرية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 وعلى لسان من بقي على قيد الحياة من شهود النكبة في مشروع واعد للمستقبل يربط بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والداخل الفلسطيني المحتل، وقد استند على كثير من تلك المقابلات على المضافة الفلسطينية التي لا تزال حاضرة في الداخل الفلسطيني المحتل.
وثائق القرية والمفتاح
كثير من العائلات لا تزال تحتفظ بالأوراق الثبوتية التي تثبت ملكيتها لارضها ومنزلها وبيارتها.. في فلسطين ولا تزال تحتفظ بمفتاح العودة، وهذه المادة تشكل محور بحث ودراسة ونقاش بين أبناء القرية الواحدة عموما وفي لقاءات المضافة على وجه الخصوص، ولعل ابرز ما تم الحصول عليه مؤخرا ما نشره موقع "المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية – هوية" من خلال مقابلة اجراها مع السيد عبد الله عطوات من قرية لوبية قضاء طبريا وهو من مواليد 1946 وقد استطاع عطوات الحصول على شهادة ميلاده من "حكومة الاحتلال الاسرائيلي" عن طريق القنصلية البريطانية في ابو ظبي في العام 1985، كاعتراف باحقيته بالانتماء الى فلسطين. ومن الوثائق المحفوظة لدى بعض اللاجئين ليس فقط الأوراق الثبوتية وانما أيضا الأوراق التي تحاكي الحياة اليومية للفلسطيني في فلسطين مثل أوراق الزواج والطلاق والولادة وحراثة الأرض وحتى أوراق تلقيح الحيوانات كما هو الحال مع الوثائق التي يحتفظ بها الاستاذ محمود دكور من قرية قديثا قضاء صفد وهو رئيس متحف فلسطين التابع لـ "اللجنة الفلسطينية للثقافة والتراث".
للمضافة نشاط دائم
على الرغم من الحراك والنشاط الدائم للمضافة، الا انه حتى الساعة لا يوجد أي استثمار سياسي لهذه الظاهرة الإيجابية في مجتمعنا الفلسطيني، بيد أن كافة الأنشطة والتحركات يغلب عليها طابع التوعية والتثقيف وترسيخ مفهوم الانتماء والقيام بتقديم المساعدات الاجتماعية العاجلة إذا توفرت والعمل غير الممنهج القائم على الحماس والاندفاع لإيصال فكرة حب الوطن والتمسك به والحفاظ على التراث والعادات والتقاليد على قاعدة التمسك بالثوابت التي لا حياد عنها وبالمقدمة منها بقاء قضية اللاجئين حية وتكريس حق العودة الى القرية التي طرد منها اهلها في العام 48، فلا تزال الحكايات والذكريات والتطلعات إلى المستقبل هي الغالبة على المجالس التي تضم تلك العائلات.
المضافة جزء من واقع معاش للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فالحنين إلى الوطن لا يزال دافئا ولم يبرد وقوده تلك الذكريات التي لا تنسى وعلى الأمل في العودة، وستبقى المضافة نشاط دائم حتى اقتلاع الخيمة وحلم يراود اصحابها بالعودة بما فيها مع الاجيال القادمة.