منظمة ثابت لحق العودة
 
الصفحة الرئيسية من نحن إتصل بنا
حراك ثابت
أخبار ثابت
بيانات ثابت
حراك إعلامي
إصدارات ثابت
محطات على طريق العودة
تقارير ثابت الإلكترونية
إبداع لاجئ
أرشيف ثابت
صدى اللاجئين
حملة انتماء
حملة العودة حقي وقراري
مبادرة مشروعي
مقالات العودة
تقارير وأبحاث
انضم لقائمة المراسلات
 
 
صفحتنا على الفايسبوك
عضوية منظمة ثابت في إتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي
 

سحب الجنسية من 176 شخصاً وأسرهم بعد 17 عاماً من اكتسابها:

مخـالفــات بالجملــة...فمــن المســؤول؟

سعدى علوه

يبقى صوت أبو فادي، الآتي من سماعة الهاتف، هادئاً ومحايداً إلى أن يُسأل إن كان هو الشخص نفسه الذي ورد اسمه في الجريدة الرسمية، من بين أسماء الذين سحبت منهم الجنسية اللبنانية. عندها يثور الرجل، ويبدأ سيل من الأسئلة المستنكرة من دون انقطاع.

ليس أبو فادي، العامل في حقله في أحد أودية الجنوب، من المتابعين لما يصدر في الجريدة الرسمية. لم يعرف الرجل، كما كثيرين غيره، أن الدولة اللبنانية قررت سحب الجنسية من 176 شخصاً، مع فروعهم، بعد سبعة عشر عاما من حصولهم عليها، كما أنه لم يعرف أنه من بين هؤلاء.

استعاد أبو فادي حقه بالهوية اللبنانية في العام 1994، وكان قد حرم منها منذ ولادته، بسبب غياب جده، راعي الماشية، عن إحصاء العام 1932، لوجوده مع قطيعه في البراري. وقتها، منحت ذرية الجدّ هويات «قيد الدرس».

وبعد حصولهم على الجنسية مع والدهم، تزوج أبناء أبو فادي وأنجبوا أطفالا لبنانيين، خدموا العلم بعدما أصبحوا «لبنانيين منذ أكثر من عشر سنوات»، وحظي البعض منهم بفرصة الدخول إلى السلك العسكري، سواء في الجيش أو في قوى الأمن الداخلي..

أقبلوا على تعليم أطفالهم، إذ لم تعد الوظائف ممنوعة عليهم. حملوا هويات تدل على انتمائهم، وسجلوا أملاكهم بأسمائهم اللبنانية، وعاشوا ما يستحقونه من استقرار نفسي في البلاد التي لم يعرفوا غيرها..

وفرحوا، خصوصاً، بنجاة أبنائهم من ضياع الهوية الذي عانوا منه هم على مدار عشرات السنين..

ثم، ها هو خبر صغير يأتيهم عبر الهاتف «يدمر» كل شيء.

لا يعرف أبو فادي أن له حق الطعن بمرسوم سحب الجنسية أمام مجلس شورى الدولة، وهو بالتالي لا يعلم بالمهلة القانونية لتقديم الطعن.

أصدرت الدولة مرسومها القاضي بسحب الجنسية من الدفعة الأولى من المطعون بنيلهم الجنسية، من دون أن تكلف نفسها عناء تبليغهم حتى، وذلك بعد مرور أكثر من عشرة أيام على نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، مع العلم أن المهلة القانونية للطعن بالمرسوم هي ستين يوماً فقط.

وعلى الرغم من «تهليل» بعض المتحمسين لـ«حماية» لبنان من مجنسين يعتبرون أنهم «لا يستحقون الجنسية اللبنانية»، أو بكلمة ألطف «لا تتوافر فيهم شروط نيلها»، إلاّ أن التدقيق في ردود الفعل على المرسومين 6690 و6691 اللذين سحبا الجنسية من 176 شخصاً مع فروعهم، يبين أن الخطوة لم ترض إلا قلة من بين رافضي مرسوم التجنيس الصادر في العام 1994، والذي منح الجنسية لحوالى مئتي ألف شخص.

ويعبر هؤلاء عن رضاهم عن سحب الجنسية من بعض الذين اختيروا، شرط ان تكون الخطوة أولى على طريق مراسيم إضافية «تلفظ» المجنسين من «جنة» الهوية اللبنانية، التي يعتبر الحصول عليها من أصعب الجنسيات في العام.

وككل شيء في لبنان، كان للأبعاد الدينية والطائفية، والتذرع بتسببها بخلل ديموغرافي، الثقل الرئيسي في رفض البعض لمرسوم تجنيس العام 1994. وينتمي مئة وثمانية آلاف وثمانمئة وأربعون (108840) شخصاً من المجنسين إلى الطائفة السنية، بالإضافة إلى حوالى ثلاثين ألف شيعي (30281) وسبعة آلاف وخمسمئة علوي، وحوالى خمسين ألف مسيحي، بينهم أربعة آلاف ومئة وتسعة وتسعين مارونياً فقط.

ومعلوم أن لبنان شهد موجات من التجنيس الجماعي شملت آلاف الأشخاص من السريان والأرمن و«بوسائل»، يصفها مرجع قضائي كبير، بـ«الملتوية»، ولكنها تمت بموافقة مرجعيات روحية مؤثرة في حينه.

وعليه، شكل طعن الرابطة المارونية، ممثلة بالنائب المحامي نعمت الله أبي نصر، السبب الرئيسي للطعن بالمرسوم 5247 الصادر في العام 1994، بعد جدل كبير شهده مجلس شورى الدولة لناحية البت بصفة الرابطة المارونية، ومن تمثل، وإذا كانت تتمتع بصفة التقاضي، ولها الحق بالطعن بمرسوم التجنيس أم لا.

من يُحاسب على الخطأ الأساسي؟

يوجد إجماع على الشوائب التي رافقت صدور مرسوم تجنيس في العام 1994.

يتحدث مرجع قضائي بارز عن «تزوير ورشى ودفع أموال للحصول على الهوية اللبنانية، بالإضافة إلى «بلوكات» إنتخابية وضعت في هذه المنطقة أو تلك، وتم نقل قيودها تبعاً للحاجة لأصواتها من قبل هذا المرجع السياسي، أو ذاك».

إلا أن المرجع يشير إلى المبدأ القانوني الذي ينظر إلى الجريمة بأركانها الكاملة «مرتكب ومنفذ وشريك ومحرض»، ليسأل «من يعاقب الجهات الرسمية التي تواطأت وارتشت وسهلت، بسبب مصالح معينة، عملية حصول بعض من لا يستحقون الجنسية، عليها، فأصبحوا هم السبب في الطعن بجنسية الآلاف غيرهم من مستحقينها».

ويشير المصدر عينه إلى «أن التدقيق بمن سحبت جنسياتهم اليوم، يبين أن معظمهم ينتمون إلى فئة «المعتّرين» والذين «لا ضهر لهم» يحميهم في «بلاد المحسوبيات والوساطات»، من دون أن ينفي أن يكون من بين هؤلاء بعض المحكومين أو الذين يحملون بطاقات لجوء فلسطينية».

وفي جميع الحالات، يرى المصدر القضائي انه لا يحق للدولة أن تطعن بجنسية كل هؤلاء بعد سبعة عشرة عاماً على منحهم الجنسية، حيث بنوا حياتهم على أساس جنسيتهم وتزوجوا وأنجبوا وتملكوا وتوظفوا. وإلى أخره...

وينتقد المصدر القضائي طول المدة الزمنية للطعن في المرسوم، ليقول ان الذين نالوا الجنسية وفق مرسوم العام 1994 «ليسوا أشياء، بل هم مجتمع حي ومتحرك، تغيرت حياة أفراده وتطورت وفقاً لحملهم الهوية اللبنانية، ولذا لا يمكن الإتيان بالقانون وتطبيقه بعد 17 سنة بغض النظر عن بعده الإنساني».

ويسأل المرجع «لماذا لم يتم التدقيق بملفات طالبي الجنسية في حينه؟ وهل وُجد اليوم الأشخاص المناسبون للفصل في الملفات، في حين أنهم لم يتوفرّوا قبل 17 سنة؟ ومن يعاقب الذين منحوا الجنسية لغير مستحقيها يومها؟ وهل يدفع الناس ثمن تقصير الدولة؟».

ويتوقف المصدر القضائي عند ثغرة أساسية في مرسوم سحب الجنسية الأخير الصادر عن رئيس الجمهورية بتوقيعه وتوقيع كل من رئيس الحكومة ووزير المالية، ليقول إن المبدأ القانوني القائل «بموازاة الصيغ» يقضي بصدور مرسوم سحب الجنسية عن مجلس الوزراء، كون مرسوم منح الجنسية في العام 1994 صدر عن مجلس الوزراء، بحضور وتوقيع رئيس الجمهورية آنذاك، الياس الهراوي.

ويتوقف المصدر القضائي عند أوضاع المحامين أو الأطباء أو المهندسين، أو الموظفين في الدولة أو القطاع الخاص من المجنسين، ليسأل عن مصيرهم وعن مصير عائلاتهم وأطفالهم وزوجاتهم، وعما إذا كان سحب الجنسية من مجموعة من «المعتّرين» سيعيد التوازن الطائفي للبنان؟.

ويسخر المصدر القضائي من آلية سير الأمور في لبنان، ليطالب بـ«الطعن ايضاً بصحة تمثيل النواب الذين فازوا بأصوات المجنسين».

ترحيب بشرط...ورود أسماء جديدة

عند الضفة المقابلة، يعرب احد المراجع السياسية المسيحية عن ارتياحه لقرار سحب الجنسية من عدد من المجنسين، آملاً «بأن يشكل المرسوم الدفعة الأولى لتصحيح الخلل الكبير»، من دون ان يخفي ملاحظاته على مرسوم سحب الجنسية، وعلى الآلية التي أنتجته.

وفي محاولة منه للتأكيد على ان موقفه لا ينطلق من حساسية طائفية معينة، يقول المرجع السياسي «ان إثنين من المجنسين المسيحيين قتلا عشرة رجال في الأشهر الأخيرة»، وكأن القدرة على القتل وارتكاب الجرائم ترتبط بجنسية معينة، مع العلم ان ميشال وجورج تانليان، مرتكبا مسلسل القتل التسلسلي بسائقي سيارات ألأجرة، كانا الوحيدين غير المجنسين في عائلتهما.

ويتوقف المرجع السياسي المتحمس لـ«صفاء» الهوية اللبنانية، عند المادة السادسة من الدستور اللبناني التي تنص على «أن الجنسية اللبنانية وطريقة اكتسابها وحفظها وفقدانها تحدد بمقتضى القانون»، ليقول ان مرسوم العام 1994 باطل من أساسه، كونه لم يصدر بقانون عن مجلس النواب، بل بمرسوم وقّعه رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية».

ويؤكد المرجع انه يحق لرئيس الجمهورية إصدار مرسوم بمنح الجنسية لشخصية قدّمت خدمة جليلة للوطن، وليس بإعطائها جماعياً لأكثر من مئتي ألف شخص، دفعة واحدة «يعني المسألة مش سحارة بندورة».

وينتقد المرجع السياسي، بالإضافة إلى «الخلل الكبير في إصدار مرسوم العام 1994 ومنحه الجنسية للآلاف من غير مستحقيها»، «مماطلة الدولة وتأخرها» في البت بطعن الرابطة المارونية المقدم منذ آب 1994.

يرى انه كان على مجلس شورى الدولة إما إبطال المرسوم فوراً والطلب بإعادة درس الملفات من البداية وتصحيح الخلل في تطبيق الدستور، أو توقيف تنفيذ المرسوم إلى حين إعادة درس الملفات، ومنح الجنسية لمن يستحقها فقط.

ويعود المرجع السياسي إلى اللجان التي تشكلت في وزارة الداخلية بعد صدور حكم مجلس الشورى برّد ملفات التجنيس إليها للبت في صحتها، ولتحديد ممن يتوجب سحب الجنسية، ليقول ان اللجنة الأولى التي شكلها وزير الداخلية ألأسبق الياس المر قالت بوجوب سحب الجنسية من 1960 شخصاً، وليس من مئتي شخص، وهو ما عادت اللجان الأخرى وأكدته في عهد وزراء الداخلية سليمان فرنجية واحمد فتفت (بالوكالة).

ويشير المرجع إلى ان قرارات وزراء الداخلية التي قالت بوجوب سحب الجنسية من حوالى ألفي شخص لم يوقعها المسؤولون المعنيون، وهم في هذه الحالة رئيسا الجمهورية والحكومة، وهي بالتالي لم تصدر في مرسوم، مشيراً إلى ان من بينهم، ستين مسيحياً صدرت احكاماً قضائية بحقهم، طبعاً بالإضافة إلى محكومين من طوائف أخرى.

ووفقاً للمرجع نفسه، صدر المرسوم الأخير بناء على الأسماء التي وضعتها لجنة شكّلها وزير الداخلية السابق زياد بارود، والتي حددت الدفعة الأولى ممن سحبت منهم الجنسية مع فروعهم، أي أولئك الذين «اكتسبوا الجنسية تبعاً لاكتساب هؤلاء ( أي المطعون بجنسيتهم) مهما كانت طريقة اكتسابهم سواء عبر الزواج او الولادة او بقرار قضائي او إداري... او غيره»، وفق ما تنص عليه المادة الثانية من مرسوم سحب الجنسية الصادر مؤخراً.

وإذ يقر المرجع بخطأ الدولة ومسؤوليتها في إصدار مرسوم التجنيس في العام 1994، ومن ثم تأخرها بالبت بالطعن المقدم به، ومباشرتها سحب الجنسية من بعض الأشخاص بعد 17 عاماً على منحها لهم، إلا انه لا يعترف للمطعون بجنسيتهم» بأي حقوق، حتى وإن كانوا جنوداً في الجيش اللبناني».

ويستند المرجع في إنكاره حقوق من سحبت جنسيتهم، وضرورة تحميل الدولة وزر أخطائها، إلى المبدأ القانوني «المعتمد في العالم اجمع، والذي ينص على أنه «لا يحق لأحد أن يطالب بحقوق ناتجة عن خطأ ارتكبه هو».

السفير،05/12/2011

 
جديد الموقع: