حق العودة.. بين
الواقع والوقيعة
حق العودة من
المصطلحات المهمة التي شاع استخدامها في الآونة الأخيرة، في ظل المفاوضات التي
أدخلت في دوامتها القضية الفلسطينية. وللأسف، أسيء استخدام المصطلح وتوظيفه لغايات
الانتقاص من حقوق الفلسطيني، حيثما كان وجوده ولجوؤه، فجاء حق العودة في ممارسات
هؤلاء مظلة تسويغية؛ إذ إنهم من منطلق حرصهم على الهوية والقضية، مضطرون إلى مثل
هذه الممارسات التي لا تتناسب وحقوق الإنسان، والمواطنة، والأخوة المدعاة. ومن
جانب آخر فيها غمز ولمز في هذا اللاجئ، الذي يتهم بأنه سيفرط بحقه في العودة، إن
أعطي حقوقه كاملة، مدنية وسياسية، حيث يعيش ويوجد.
وكأن حق
العودة ليس بينه وبين التحقيق إلا المزيد من هذه الممارسات التي تشعر المواطن
الفلسطيني بأنه مواطن من الدرجة الثالثة ، وأنه في قمة الاستهداف من أهله وعزوته
الذين يفترض فيهم النصرة ، فتأتي على ما بقي في نفسه من مشاعر الأخوة في بناء
الوطن، ورفعة شأنه، فضلاً عن شعوره بمزيد من القهر واليأس، فيزداد اعتقاده بأن
فلسطين قضية فلسطينية خاصة، لا علاقة لعرب ولا عجم بها.
ولعل هذا من
أخطر ما أصاب قضيتنا بمقتل، يوم نجحت المؤامرة عليها، بإخراجها من فضائها الإسلامي
الرحب، إلى السباحة في فلك العرب فقط، ثم بعدها إلى سجنها في نطاق الفلسطيني وحده
لا شريك له. هو من يقاتل، وهو من يملك حق التفاوض المفضي إلى التنازل، وغيره يصالح
ويسالم، ويفتح البلاد بطولها وعرضها للسفارات والسفراء، والعلاقات التجارية
والدبلوماسية، الأمر الذي خدم الاحتلال خدمة كبيرة، نقله من حالة الحرب إلى السلم،
ومن حالة الخوف والقلق إلى حالة الأمن والاطمئنان.
حق العودة،
باعتقادي أنه خير أريد به غير ذلك، وأن ربط الحديث عنه في حيز الحديث عن الوطن
البديل هنا أو هناك مؤامرة كبيرة على حق العودة الذي لن يتحقق بهذه السهولة التي
يروج لها هؤلاء، من خلال تفاوضاتهم ومؤامراتهم ومؤتمراتهم. وبمزيد من التضييق على
اللاجئين.
أعتقد أن حق
العودة بحاجة إلى تصحيح المفهوم والمدلول، كما هو الشأن كله بخصوص القضية الفلسطينية،
التي كانت قضية الأمة المسلمة كلها، القضية المركزية، التي تجتمع كلمتها عليها، ثم
غدت قضية الفلسطينيين وحدهم؛ فهم وحدهم من يملك حق التنازل والتفاوض، حتى على مصير
أولى القبلتين، من دون أدنى خوف من المحيط الإسلامي المترامي الأطراف؛ لأنهم ركزوا
لواء المؤامرة في عقول الناس ونفوسهم، بأن فلسطين للفلسطينيين كما هو الأردن
للأردنيين، ولبنان للبنانيين، وسوريا للسوريين..
فجاء الحديث
اليوم عن حق العودة على أنه حق للفلسطيني أيضاً، لمزيد من الإصرار على عزلة القضية
وصاحبها من محيطها الكبير، الذي سيشعر بشكل أو بآخر، بأن العودة لا تعنيه،
وبالتالي لن يكون شريكاً في ما لا يعنيه، فمن الحسن تركك ما لا يعنيك. هذا من
جانب، ومن جانب آخر، حتى يظن ظناً جازماً أن لا سبيل للعودة إلا من خلال هذه السبل
الاستسلامية الانهزامية، وهذه المفاوضات العبثية، التي يفرض فيها القوي شروطه وأوامره،
ويعمل من خلالها على تضييع الأوقات، والعبث بالثوابت وتمييعها.
والحديث
المبالغ فيه عن حق العودة، يشي بواقع خطير وكبير الخطورة، هذا الحديث من شأنه أن
يعمل على تجزئة القضية، الناس اليوم لا يتحدثون عن التحرير كما هو الحديث عن حق
العودة الذي باعتقادي هو ثمرة من ثمار التحرير، فإذا طمس وجود التحرير من حديث
الناس وواقعهم، فلن تكون عودة على الإطلاق، وهذا ما يرمي إليه هؤلاء. فإذا كانت
العودة ممكنة ومقبولة في ظل الاحتلال ووجوده وهيمنته، فأين المشكلة بعد ذلك؟
ولماذا الجهاد والقتال والدماء؟!
حق العودة لن
يحققه شعب بعينه، وهو مرهون بالتحرير الكامل، ولن يكون تحرير إلا بالجهاد وتعبئة
الناس بمعانيه ومتطلباته، ولن يؤتي الجهاد ثماره إلا بتضافر جهود الأمة كلها،
الأعجمي قبل العربي، والعربي قبل الفلسطيني. وبهذا فقط يصبح حق العودة محقق الحصول
والحدوث، ولهذا يجب الحديث عن حق العودة في إطاره الواسع والشامل، كحق للأمة كلها؛
ففلسطين ليست بقعة جغرافية، ولا كرم عنب، ولا شاطئ بحر، ولا بيتاً هدم، ولا "حاكورة"
أو ملكاً خاصاً اغتصب، بل هي رسالة سماوية، وآية قرآنية، وعقيدة ربانية، وساحة ذات
قيمة تهوي إليها الأفئدة، وترحل إليها المناظر، وتسرح فيها الخواطر.
فحق العودة
يحققه المجاهدون، الذين يؤمنون بفلسطين الدين لا الطين، والاعتقاد لا التراب.
ومن هنا يجب
الحديث عن حق العودة كمفهوم راسخ شامل، لا يُخشى عليه في جلسات الغرف المظلمة ولا
المؤتمرات ولا مؤامرات الوطن البديل، التي باتت تأخذ شكل الصفقات التجارية الخاسرة.
فحق العودة بمفهومه الشامل، يضع أمر العودة في نصابها الحقيقي، فمن كان يظن أن حق
العودة الذي يتحدثون عنه تحققه مفاوضات، أو تلغيه مؤتمرات، فهو واهم حالم.
د.عبد الله
فرج الله
|