الوجه الآخر لمخيم عين الحلوة:
دراسة تظهر المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية للمخيم
الأربعاء، 26 تشرين الأول، 2011
يبدو أن الصورة النمطية لمخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا
والذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان، لن تتغير في الوقت القريب. ومع أن مخيم
عين الحلوة هو واحد من اثني عشر مخيما، ويتقاسم معها تقريبا ذات الهموم، إلا أن الحديث
عن مخيم عين الحلوة يأخذ أبعادا أخرى. ويحظى مخيم عين الحلوة باهتمام إعلامي خاص، ليس
باعتباره عاصمة الشتات الفلسطيني أي عاصمة الهم الفلسطيني ورمز للمعاناة الفلسطينية
في لبنان، بل باعتباره مصدر قلق وتوتر. إن الصورة النمطية المرسومة على جبين مخيم عين
الحلوة تسببت له بمعاناة إضافية صرفت الأنظار بشكل شبه تام عن جوهر القضية الإنسانية
التي يمثلها ويعيشها هذا المخيم.
في إطار سعيها للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان،
وفي محاولة جادة لتغيير الصورة النمطية عن مخيم عين الحلوة، أصدرت مؤسسة «شاهد» لحقوق
الإنسان دراسة ميدانية عن مخيم عين الحلوة تحت عنوان: "الوجه الآخر لمخيم عين
الحلوة، المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية"، جاءت الدراسة في مئة
وعشر صفحات من القطع الكبير. تنقسم الدراسة إلى قسمين: القسم الأول يتحدث عن واقع الوجود
الفلسطيني في لبنان ومن ثم يتناول بالتفصيل المعطيات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية
والسياسية لمخيم عين الحلوة: أصل السكان، الموقع الجغرافي، المساحة، البنى التحتية،
المياه، المؤسسات الصحية والتربوية والدينية، ومن ثم يتناول الخصائص الاقتصادية وأخيراً
يتناول خصائص السياسة والحكم المحلي، وقد اعتمد الباحثون في هذا القسم على عدد كبير
من المقابلات مع مختلف الأطراف السياسية والدينية والاجتماعية في المخيم.
القسم الثاني وهو قسم تحليلي تناول تحليل نتائج استطلاع الرأي
الذي جرى مع عينة عشوائية ضمت 182 فردا، وشملت معظم أحياء المخيم. تضمن القسم تحليل
مفصل عن الخصائص الديمغرافية، والمسكن، والخصوبة وتنظيم الأسرة، والخصائص الصحية، خصائص
الهجرة، الخصائص التعليمية، والخصائص الاقتصادية.
وخلصت الدراسة إلى جملة من الحقائق المقلقة:
1. إن
مخيم عين الحلوة هو مخيم فلسطيني يلتقي مع باقي المخيمات لجهة المعاناة الإنسانية،
وهو ليس بؤرة إرهاب، ولا مصدر قلق ولا توتر، إن التعاطي مع مخيم عين الحلوة سياسيا،
وأمنيا، وإنسانيا، لا يتوافق مع معايير حقوق الإنسان. وهو مخيم هادئ نسبيا. فالظروف
السكنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية بالغة التعقيد كفيلة بأن تجعل النتائج
مرعبة، لكن وعند تتبع الأحداث الأمنية على مدار سنة كاملة – هي سنة البحث – لم يسجل
مخيم عين الحلوة أي خرق أمني. وهناك عقل جمعي فلسطيني يرفض أن يكون مخيم عين الحلوة
مصدر للقلق. وعلى الرغم من عدم وجود مرجعية سياسية موحدة إلا أن التنسيق بين مختلف
الأطراف تفرضه وقائع ميدانية، ومطالب إنسانية متواصلة. وهناك عوامل محلية ودولية تؤثر
في واقع مخيم عين الحلوة.
2. يعتبر
المجتمع السكاني في مخيم عين الحلوة فتيا، بحث بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة
38.4%، أما الذين هم في سن العمل (الفئة المنتجة : 15-65) 61.1%. تشمل هذه الفئة الطلاب
وربات المنازل والمتعطلين. وبحسب الدراسة فإن نسبة الذكور بلغت 48.2% في حين بلغت نسبة
الإناث 51.8%.
3. إن
الكثافة السكانية في مخيم عين الحلوة مرتفعة جدا، كما أن المساحة ضيقة جدا، وهو ما
ينتج عنه مشاكل صحية ونفسية واجتماعية هائلة. فمعدل عدد أفراد العائلة بحسب الدراسة
هو خمس أفراد، أما معدل عدد الغرف في المنزل الواحد هو ثلاثة غرف (تتضمن المطبخ). ويبدو
أن معدل أفراد الأسرة تراجع عما كان عليه في السابق، وتلعب الظروف الاقتصادية دوراً
حاسماً في هذا المجال، ف 60.7% عبروا عن أن الظروف الاقتصادية هي التي تحدد لهم عدد
أفراد الأسرة ليكونوا خمسة. يذكر أن عدد سكان مخيم الحلوة يختلف بشكل كبير بين إحصائية
الأونروا التي تقدرهم ب 45 ألفاً وإحصائية اللجان الشعبية التي تقدرهم بحوالي 70 ألف
نسمة على بقعة جغرافية لا تتجاوز الكيلو متر مربع واحد.
4. تلعب
الظروف السكنية والاجتماعية والاقتصادية دوراً رئيسياً في تحديد الأمراض بالنسبة لسكان
مخيم عين الحلوة. فعلى سبيل المثال، إن نسبة 61.1% من الأمراض المنتشرة بين سكان مخيم
عين الحلوة بحسب الدراسة هي أمراض الضغط والتنفس، وربما تكون الأسباب واضحة فعدم توفر
البيئة الصحية المناسبة، وعوامل الفقر والبطالة والأزقة المعتمة، وغياب الأفق بمعالجة
القضايا، يضغط بقوة على سكان مخيم عين الحلوة. وتمثل الأونروا الداعم الطبي الهام لسكان
مخيم عين الحلوة، ف 44.2% من أفراد العينة ينظرون إلى الأونروا على أنها كذلك، في المقابل
فإن نسبة 33.8% يلجؤون إلى عيادات خاصة، وهو مؤشر مقلق في ذات الوقت، فاللاجئ الفلسطيني
يقع بشكل رئيس تحت مسؤولية الأونروا، ولكن كما يبدو فإن تراجع الأونروا في خدماتها
الصحية كماً وجودة دفع هذه النسبة إلى اللجوء إلى عيادات خاصة. 13.5% من أفراد العينة
يعانون من إعاقة سواء كانت بصرية أو عضوية، أو سمعية أو عقلية أو متعددة، ومنها بدأ
مع الولادة ومنها في وقت لاحق.
5. يعتبر
مخيم عين الحلوة بحسب الدراسة بيئة طاردة، 32.6% من أفراد العينة يعني لهم المخيم القلق
والتوتر وعدم الشعور بالأمان الاقتصادي والنفسي، في حين بلغت النسبة الذين ينظرون إلى
المخيم على أنه رمز وهوية وانتماء لفلسطين 26.9%، نسبة 28% منهم يعتبرون المخيم مجرد
لجوء ومحطة للجوء آخر، وهو تعبير عن التشاؤم بسبب عدم تمكن المفاوضات السلمية من تحقيق
حق العودة، أما نسبة 9% فينظرون إلى المخيم على أنه وطن نهائي لهم، وانهم سوف يمضون
بقية حياتهم فيه بذات الظروف، وبذات المعاناة. وبكل الأحوال فإن قضية اللاجئين بشكل
عام والفلسطينيين في لبنان بشكل خاص تشكل الهاجس الأكبر لدى الجميع ويدفع الإنسان الفلسطيني
فاتورة مرتفعة جدا من كرامته بسبب كونه لاجئاً.
6. تختلف
التقديرات بالنسبة لعدد الفلسطينيين في لبنان، وتظهر الأونروا في تقاريرها السنوية
عدد الفلسطينيين ب حوالي 422000 لاجئ فلسطيني، لكن تقديرات اللجان الشعبية وجمعيات
المجتمع المدني تشير إلى حوالي 300000. من خلال دراستنا لمخيم عين الحلوة بدا الرقم
الثاني هو الأقرب للصحة، فـ 29.2% من أفراد العينة قالوا بأن لهم أقارب في الخارج.
واحتلت الدول العربية نسبة 53.8% من الفلسطينيين المهاجرين الذين يتوقع أن يكونوا في
دول الخليج العربي للعمل هم وعائلاتهم. 30.8% منهم فقد هاجروا إلى الدول الأوروبية.
والذي لفت الانتباه في الدراسة هو أن 58.4% من أفراد العينة يتمنون الهجرة خارج لبنان
لأسباب مختلفة، تصدرت الأسباب الاقتصادية والاجتماعية النسبة لتبلغ 75.1%.
7. من
خلال الدراسة تبين أن 6.7% من أفراد العينة هم أميون، و 4.5% منهم يلمون بالقراءة والكتابة،
ونسبة 60.6% أنهوا صفوف الابتدائي والمتوسط، 13.5% ثانوي، و 3.4% جامعيون. وبات من
المؤكد أن نسبة المتعلمين في الوسط الفلسطيني تراجعت بشكل كبير، ومعدلات النجاح في
الامتحانات الرسمية خصوصا في صفوف البريفيه تراجعت هي الأخرى بشكل خطير حيث بلغت عام
2008/2009 في مدارس الأونروا 44.5%.
8. لا
تسمح القوانين اللبنانية للفلسطيني بالعمل في المهن الحرة، وهو ما يسد الأفاق أمام
طلاب الجامعات، ويشكل عقبة رئيسية أمام طموح الفلسطينيين في لبنان. ومع أن اليد العاملة
الفلسطينية في لبنان تعتبر منتجة وفعالة، إلا ان عمالة الفلسطيني تتم بشكل غير معلن.
وظهر من خلال الدراسة مؤشرات مهمة منها أن 17.3% من أفراد العينة لا يعملون أبدا، وأن
نسبة 23.4% من نساء مخيم عين الحلوة يعملن. ومعظم الأعمال التي يمارسها العاملون أو
العاملات هي أعمال الحرف اليدوية بنسبة 24.7%. ومعظم الأعمال التي يمارسها سكان مخيم
عين الحلوة هي أعمال موسمية.
9. أمام
سكان مخيم عين الحلوة قائمة طويلة جدا من المطالب، وهي مطالب إنسانية وعادلة ومحقة،
وهي موجهة إلى الجميع، إلى الداخل الفلسطيني، وإلى الحكومة اللبنانية، وإلى المجتمع
الدولي. فقط طالب 71.9% من أفراد العينة بمشاريع بنى تحتية للمخيم، من مراكز صحية،
ومدارس، وطرق معبدة، ومجارير، ومياه الشرب، ومنازل صالحة للسكن، وحدائق عامة، الأمر
الذي يتطلب حكما توسيع مساحة المخيم وغيرها مما له علاقة بذلك. أما نسبة 14.6% منهم
فقد طالبوا بالأمن والاستقرار وهو ما يستلزم تشكيل مرجعية سياسية موحدة قوية وقادرة
على التعامل بحزم وحسم مع كل التجاوزات التي قد تحصل هنا أو هناك. وعن المشاريع الأخرى
فقد بلغت النسبة 13.5%، وهي مشاريع تتعلق بمراكز ثقافية. الجهات المسؤولة عن تلبية
هذه المطالب هي: الأونروا، الدولة اللبنانية، و م. ت. ف. لكن يبدو أن بين الرغبة والواقع
مسافة شاسعة.
مؤسسة «شاهد» لحقوق الإنسان
|