عين على الأمواج وعين على إعادة إعمار
«بيوت الصفيح»:
أهالي جل البحر يرفضون ترك منازلهم برغم «الإغراءات»
يقع أهالي مخيم جلّ البحر للاجئين الفلسطينيين
بين فكّي "كماشة"، بين اجتياح البحر من جهة، ورغبة بعض المستثمرين
باقتلاعهم من المنطقة من جهة ثانية، وما بينهما من معاناة يومية تتمثل بانهيار ما
يسمى منازلهم المسقوفة في غالبيتها بألواح من "الصفيح". المخيم الذي
انشئ مع بداية تهجير الفلسطينيين في العام 1948، يقطنه اليوم أكثر من ثلاثة آلاف
لاجئ. وكانت منازل المخيم بمعظمها، قد بنيت على خط سكة الحديد، ضمن الأملاك العامة
التابعة للدولة اللبنانية. ويعتبر جل البحر من أكثر التجمعات الفلسطينية فقراً.
ويعيش اللاجئون في بقعة جغرافية صغيرة جداً،
يحدها البحر من ناحية الغرب، ومدخل صور الشمالي من ناحية الشرق. ومع بداية كل شتاء
من كل عام، يضع اللاجئون أياديهم على قلوبهم خوفاً من هيجان البحر، الذي جرف العام
الماضي عددا من المنازل، متسببا بتشريد أهلها حتى اليوم. وهم يقطنون داخل ثلاثمئة
منزل متراصّة، لا يفصلها سوى ممرات ضيقة. وهم يطمحون أن ينالوا الاهتمام المطلوب
من وكالة "الأونروا"، والمانحين، وكل المعنيين بقضية اللاجئين.
ولم تلغ تلك المطالب المتكررة شعور أهالي المخيم
بالفرح، مع انطلاق إعادة إعمار ستة منازل، تقطنها عشر عائلات، كانت جرفتها أمواج
البحر على نفقة "الهلال الأحمر القطري"، عبر وكالة "الأونروا"
وقيام "المجلس النروجي للاجئين" بترميم 46 منزلا. ويؤكد رئيس
"اللجنة الشعبية" في المخيم حمد درويش، على أن "أعمال إعادة إعمار
المنازل الستة، التي انهارت في الشتاء الماضي بسبب أمواج البحر العاتية، من جانب
الهلال الأحمر القطري، عبر الأونروا، تعد خطوة إيجابية، خصوصا أن عشر عائلات تتوزع
على المنازل المذكورة، وتقيم في منازل مستأجرة منذ أشهر عديدة"، آملاً أن
تتوسع "مبادرة الهلال الأحمر القطري، لتشمل منازل أخرى مهددة بالانهيار،
ويعاني أصحابها من مشاكل اقتصادية كبيرة". وشكر درويش "مساعي الأونروا،
على الجهود التي أثمرت تمويل بناء المنازل قبل حلول فصل الشتاء، منوهاً بالأشغال
التي ينفذها المجلس النروجي للاجئين، التي تشمل حالياً 46 منزلاً، على أن تشمل
قريباً عشرين منزلاً، بحسب من وعدنا من جانب المجلس".
ويشير علي ماضي، وهو أحد أصحاب البيوت التي يعاد
إعمارها، إلى "أهمية الاسراع بالأشغال، قبل حلول فصل الشتاء، والانتقال من
المنزل المستأجر مع أفراد العائلة إلى المنزل الأصلي". وقال: "نشعر
بارتياح كبير بعد مرحلة البدء بإعمار منازلنا التي ننتظرها منذ شهور طويلة".
ويؤكد جاره جمال أبو رشيد، وقد شارفت الأعمال على الانتهاء في منزله، على "أهمية
إعادة الاعمار المتلازمة مع إنشاء سدّ إسمنتي من ناحية البحر لحماية المنازل من
الأمواج". وأضاف: "كنا ننتظر خطوة إعادة الإعمار الممولة من الهلال
الأحمر القطري، لأننا في حاجة ماسة لها، نتيجة تشردنا بسبب أمواج البحر التي هدمت
منازلنا".
وفي الطرف الآخر من المخيم، الذي يشترك في المعاناة
ذاتها، يتداول أصحاب عدد من المنازل المواجهة لقطعة أرض تخص المستثمر م. س.، طرحاً
من الأخير، يقضي بإزالة تلك المنازل الواقعة مباشرة على البحر مقابل بدلات مالية،
أو مقابل تأمين منازل بديلة، حتى تصبح الواجهة البحرية، أمام مشروعه، مشرعة على
البحر، خالية من منازل الصفيح. وتشير إحدى اللاجئات إلى أن "أحد أقرباء صاحب
المشروع، نقل ذلك الطلب إلى الأهالي من دون تحديد سقف للمبالغ التي سيدفعها أو
مكان السكن البديل". وتقول: "إننا نقيم على أرض تابعة للدولة، وتحديدا
على خط سكة الحديد، وهناك محاضر ضبط بحقنا. ولا نقيم على أملاك خاصة، ولا نريد ترك
منازلنا إطلاقا"، لافتة إلى أن الأهالي أبلغوا "اللجنة الشعبية للمخيم
بالأمر، ولا يمكن أن نغادر منازلنا مهما كانت الإغراءات، لأننا نعيش هنا بين أهلنا
منذ النكبة".
المصدر: حسين سعد – السفير