مشروع "حصار المخيمات": قوننة الغبن وانتهاك حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
توعد تيار لبناني بطرح مشروع "حصار المخيمات" مجدداً بعدما جرى سحبه أخيراً من مجلس الوزراء إزاء تجاذبات داخلية ومعارضة فلسطينية باعتباره مدخلاً "لقوننة الغبن وشرعنة انتهاك حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان".
وتنقل الفريق المناهض للحقوق في تبرير فعلته بين ذريعتي "الأمن الوطني" و"الضبط الداخلي"، مريداً من عرض المشروع مرة أخرى أمام مجلسي الوزراء والنواب ليصبح نافذ المفعول عند الموافقة، إحراز انتصار جديد بعدما أخرج العام الماضي صيغة مجزوءة "لقرار العمل".
ورأت تلك القوى في السجال الحقوقي الدائر بالساحة اللبنانية "تحريضاً على الوجود الفلسطيني وإثارة مشاعر الكراهية ضده بين صفوف اللبنانيين"، موجهة رسالة تحذير من "ثورة داخل المخيمات" ضد الحكومة في حال نفاذ المشروع، فضلاً عن صياغة مذكرة احتجاج سترفعها اليوم الاثنين إلى رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ومجلس النواب نبيه بري.
وزاد مشروع وزارتي الداخلية والدفاع أمام اللاجئين الفلسطينيين "لاءً" إضافية إلى سلسلة "لاءات العمل والتملك والميراث والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي"، عبر إحكام قبضة الحصار على المخيمات الفلسطينية بتشديد حركة التنقل داخلها وتحديد المخارج ومنع البناء وفق شروط.
ونصت فقراته على "تقليص عدد المداخل الرئيسية والفرعية إلى المخيمات واقفال المداخل التي يمكن الاستغناء عنها بواسطة بلوكات من الإسمنت بحيث ستبقى سالكة للمشاة فقط بدون الآليات والسيارات".
وتضمن منع البناء في المخيمات بدون ترخيص قانوني وإخضاع إدخال مواد البناء إليها (طلبات وكالة الأونروا) لموافقة السلطة السياسية (الحكومة) بعد أخذ رأي وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش) ومتابعة مراقبة تنفيذ مشاريع الوكالة داخلها من قبل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
وقال ممثل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في لبنان علي بركة إن "هناك قوى وشخصيات لبنانية تحمل نظرة عنصرية تجاه الفلسطينيين، وتريد تهجيرهم خارج الأراضي اللبنانية بأية طريقة، بينما يتعامل آخرون معهم باعتبارهم خارج القانون".
وأضاف لـ"الغد" من بيروت أن "قضية اللاجئين الفلسطينيين سياسية ناتجة عن واقع التهجير القسري الصهيوني العام 1948"، مؤكداً "تمسك اللاجئين الفلسطينيين بحق العودة ورفض التوطين، ولكن ريثما يتحقق ذلك لا بد أن يعيش الفلسطيني حياة كريمة في لبنان".
ويحتكم قرار "الحصار العنصري" بحق اللاجئين إلى ما سماها عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ مسؤول فرع لبنان مروان
عبد العال "العقلية الانعزالية المغلقة التي تثير مشاعر الحقد والكراهية ضد الفلسطينيين ولا تعمل على خلق أجواء المصالحة معهم".
ويتوقف عبدالعال كثيراً عند مقولات باتت، بحسبه، "تتردد أخيراً حول "الخطر الديمغرافي" و"التهجير" من جانب تيار لا يريد الوجود الفلسطيني في لبنان تحت ذريعة سحب سلاح المخيمات".
ورفض "مقايضة الحقوق بالسلاح"، داعياً في نفس الوقت إلى "الحوار وفق سياسة واضحة لتنظيم الوجود السياسي الفلسطيني في لبنان بموافقة الدولة اللبنانية، بما في ذلك تنظيم سلاح المخيمات، وليس سحبها".
وإزاء المشروع المقترح؛ فإنه يتوجب على اللاجئين الفلسطينيين تدبر أمورهم بعدما تضاعف عددهم من 120 ألفا عام 1948 إلى 430 ألفا عام 2010 بفعل النمو الطبيعي، مقابل تناقص عدد المخيمات إلى 12 مخيماً بعد تدمير خمسة منها.
ولم تغير من واقع الحال تعديلات المادة 59 من قانون العمل اللبناني والمادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي التي وافق عليها المجلس النيابي اللبناني في 17 آب (أغسطس) من العام الماضي، حيث أفرغت معادلة التوازنات والتسويات الداخلية الحقوق من مضامينها واختزلتها في الجزئيات.
ورغم الضجة المصاحبة للقرار بغية تصويره منجزاً سيحد من معاناة اللاجئين، غير أن الواقع المرّ الذي يرزحون تحت وطأته منذ عقود ليس مرشحاً للتغير، حيث أفسح القرار العمل في قطاعات كانت محظورة عليهم في السابق، بلغت 74 مهنة، باستثناء العمل في القطاع العام التابع للحكومة ولمؤسسات الدولة، إضافة إلى المهن الحرة وهي الطب والهندسة والمحاماة...، حيث تشترط نقاباتها وقوانينها الانتساب إليها لمزاولة المهنة، وهو أمر ممنوع على الفلسطيني.
فيما بقي حق التملك والتوريث والضمان الصحي والاجتماعي والأمومة والطفولة خارج نطاق البحث، بحيث سيبقى 56 % من قرابة 480 ألف لاجئ مسجلين لدى الوكالة عاطلين عن العمل، فيما يعاني زهاء 160 ألف لاجئ من الفقر، مقابل 7,9 % منهم من الفقر المدقع، فيما 63 % منهم يفتقدون الأمن الغذائي، و6 % من الفلسطينيين فقط حملة شهادات جامعية وفق معطيات الأونروا.
ولأن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليسوا مواطنين رسميين لدولة أخرى، فهم غير قادرين على اكتساب نفس الحقوق التي يتمتع بها الأجانب الذين يعيشون ويعملون فيها، بينما يوجد زهاء 5 آلاف فلسطيني فاقدي الأوراق الثبوتية بما يزيد وضعهم سوءاً، بحسب قول ظاهر لـ"الغد" من بيروت.
وأرجعت الأونروا في دراسة حديثة سبب تردي الوضع الفلسطيني في لبنان إلى "عزلهم بما لا يسمح لهم بالانخراط في الحياة المدنية، إضافة إلى إقفال أسواق العمل في وجوههم، وحرمانهم من الضمان الصحّي وحق التملك".
جريدة الغد الأردنية،08/08/2011