الشباب الفلسطيني في لبنان بين مطرقة البطالة وسندان الهجرة
إعداد: منظمة ثابت لحق العودة / قسم الأبحاث
المقدمة:
لا شك أن هناك فرقاً بين الهجرة الطبيعية والهجرة الطوعية تفرضها طبيعة وتعقيدات الحياة وتطورها، وهجرة مفروضة تأتي في سياق السياسة تكون ممنهجة ومخطط لها كما هو الحال اليوم في ظل المتغيرات السياسية والمخاطر التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في لبنان، جرّاء السياسة الأمريكية وما يسمى ب "صفقة القرن" واستهدافها للقضية الفلسطينية عموماً وقضية اللاجئين وحق العودة على وجه الخصوص، وهذا ما يدفع إلى الخشية والتحذير من أن الهجرة تحولّت من ظاهرة فردية إلى ظاهرة جماعية قد طالت عائلات بأكملها في الآونة الأخيرة وشهدت بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان وخصوصاً في الجنوب إقدام العشرات من العائلات على بيع منازلها بأثمان زهيدة، مقابل الحصول على المبلغ المطلوب للسماسرة والذي يمكّنهم من الخروج من لبنان بحثاً عن الإنسانية والعيش بكرامة.
ظاهرة الهجرة:
ان ظاهرة الهجرة الفلسطينية التي تعيشها المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان لم تكن هي الأولى التي تطال مجتمع اللاجئين الفلسطينيين هناك، حيث شهد التجمع الفلسطيني في لبنان موجات هجرة عديدة بفعل الأحداث والحروب والظروف الأمنية التي عاشها منذ الحرب الأهلية في لبنان بمنتصف السبعينات والتي بلغت ذروتها بعد الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982 وبعد فترة حرب المخيمات عام 1985، فمع كل حدث أمني كبير تعود موجات الهجرة، وهو ما حصل أثناء وبعد معركة مخيم نهر البارد، حيث ترك عدد كبير من اللاجئين منازلهم في مخيمات شمال لبنان، وتوجهوا إلى دول أوروبا.
ولطالما راود حلم الهجرة عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ عام 1948 نتيجة الظروف الحياتية القاسية جداً التي يرزحون تحتها، والقوانين المشدّدة التي تمنعهم من حق العمل والتملك، إلا أن هذا الحلم استيقظ وبقوة في السنوات والأشهر القليلة الماضية، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد أحوال الفلسطينيين صعوبة وتعقيداً نتيجة القوانين والقرارات التي صدرت عن الحكومات اللبنانية المتعاقبة ، فقد تمّ تسجيل هجرة حوالى 1500 فلسطينياً خلال الأشهر الستة الماضية من عام 2018 ، فيما تم رصد مغادرة نحو 4000 عائلة فلسطينية ما بين عامي 2017 و2018.
فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعانون مآسي يومية داخل مخيمات اللجوء تدفع بهم للهجرة إلى أوروبا أو إلى أي دولة يشعرون فيها بإنسانيتهم وتحفظ كرامتهم من المساس، خصوصاً فئة الشباب الذين فُرضت عليهم قوانين عنصرية حرمتهم من أبسط حقوقهم كبشر، فالغالبية الساحقة من خريجي الجامعات والمعاهد والكليات وحتى أصحاب المهن محرومون من الحصول على فرصة عمل تؤمن لهم حياة كريمة، ما يجعلهم يشعرون أنّه يسيرون في نفق مظلم لا نهاية له.
فالحرمان من العمل مشكلة تعاني منها الأغلبية فالفلسطيني ممنوع من مزاولة كافة المهن تقريباً، ولهذا يجد الشاب نفسه أمام خيارين، إما الهجرة أو العمل بما تيسر من فرص، فنرى الطبيب يعمل في مقهى، والمهندس سائق أجرة.
إن الوقائع الميدانية تشير الى أن حوالى 70% من الشباب الفلسطيني الذين هاجروا من لبنان خلال السنوات الأخيرة قد أنهوا دراستهم الثانوية وجزء كبير منهم حاصل على الشهادة الجامعية، الى جانب عدد كبير منهم كان يتابع دراسته الجامعية، وهذا يعني أن غالبية المهاجرين هم من الفئات الشابة والمتعلمة وأصحاب الكفاءات العلمية الذين يحاولون البحث عن مستقبلهم نظراً لانسداد افق العمل امامهم بفعل القوانين اللبنانية التي أدّت إلى ارتفاع نسبة البطالة بين صفوف الشباب الفلسطيني إلى أكثر من 56% وفق تقارير وكالة الأونروا الأخيرة التي أشارت أيضاً إلى أن غالبية العاملين من الشباب (97.7%) لديهم اتفاقات شفهية فقط مع أرباب عملهم، ما يسمح بإنهاء توظيفهم في أي وقت من دون إشعار مسبق.
أسباب وتحذيرات:
أسباب وتحذيرات عديدة أّدّت إلى تصاعد معدلات الهجرة في المخيمات الفلسطينية، التي أصبحت بيئة طاردة للفلسطينيين، منها الحرمان من أبسط الحقوق المدنية والإنسانية من قبل الدولة اللبنانية، والإجراءات الأمنية المشددة على المخيمات، خاصة تلك الواقعة في جنوب لبنان، وغياب الاستقرار الأمني في المخيمات في ظل ازدياد المشاكل الأمنية من مخيم إلى آخر. كل هذه العوامل إضافة إلى تقليص خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بسبب العجز المالي الناتج عن تلكؤ المجتمع الدولي في تسديد تعهداته المالية لـ ”الأونروا”. فضلاً عن ازدياد عدد اللاجئين وارتفاع تكلفة الخدمات المقدمة، وبما لا يتناسب أساسا مع التعهدات المالية تلك، ناهيك عمّا يشاع عن فساد وسوء إدارة.
كل العوامل السابقة أدت إلى فراغ حوالى 55 منزلاً في مخيم عين الحلوة للمرة الأولى منذ إنشائه عام 1948، وعشرات البيوت الأخرى معروضة للبيع، بالإضافة لوجود عشرات الشبان الفلسطينيين يستعدون لمغادرة مخيمي نهر البارد والبداوي أسبوعياً نحو أستراليا وأوروبا، وخلف ذلك بصمات محلية ودولية لا تخطئها عين الناظر!
الشباب الفلسطيني وحق العودة:
إن استمرار الهجرة بهذا الشكل القائم بات يُنذر بعواقب وتداعيات سلبية عديدة على نسيج وتماسك المجتمع والمخيمات الفلسطينية في لبنان، وبالتأكيد سيترك انعكاسات سلبية ستؤثر حتماً في قوة المجتمع الفلسطيني ونضاله حتى إنجاز مشروع التحرير وحق العودة، وذلك انطلاقاً من أهمية المخيمات وقدرتها النضالية وفعلها المؤثر في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.
ولكن للأسف هناك غياب للخطط والاستراتيجيات الوطنية لدى الجهات الفلسطينية بكافة مكوناتها السياسية والشعبية لمواجهة هذه الظاهرة وإيجاد الحلول التي تمكّن الشباب الفلسطيني من الصمود بوجه حالة اليأس والحرمان التي يعيشونها في مخيمات لبنان، وما يجري اليوم لا يتعدى الحديث الإعلامي والخطاب السياسي دون طرح أي حلول جدية، لهذا نجد اليوم الشباب الفلسطيني لا يكترث لهذه الخطابات وإنما يبحث بنفسه عن حلول لمشكلاته من خلال الهجرة وعلى الرغم من كل هذه التحذيرات فإن اللاجئين الفلسطينيين متمسكون بحق العودة، وخروجهم إلى الدول الأوروبية "حسب قولهم" لن ينسيهم هذا الحق، وهجرتهم من لبنان نحو المجهول، الذي يقولون بأنه مهما كان سيئا سيكون أفضل من العيش في مخيمات لبنان.
لذا يقع على عاتق الفصائل والأحزاب الفلسطينية في لبنان مسؤولية كبيرة في احتضان الشباب الفلسطيني ورعايتهم بكافة السبل من خلال تفعيل مؤسساتهم وتطوير برامجهم بما يتناسب مع حاجات الشباب وتنمية المجتمعات، فضلاً عن تحمل الدولة اللبنانية في إقرار الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين، بالإضافة إلى تحمّل وكالة الأونروا المسؤولية المباشرة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، بأن توفر لهم الحياة الكريمة وتؤمن لهم حق التعليم والصحة والاغاثة، وتُساهم في دعم المشاريع الشبابية التنموية التي تمكّنهم من التغلب على صعوبات الحياة.