اللاجئون متمسكون بها وبتطويرها
محاولات خنق الأونروا اقتصادياً تتسارع .. إلى أين؟
علي هويدي | المدير العام لمنظمة ثابت لحق العودة
أخذت أمريكا على عاتقها منذ عهد الرئيس الامريكي هاري ترومان منع عودة اللاجئين إلى ديارهم وتوطينهم ودمجهم الاقتصادي في المحيط العربي، وهو ما أعلنه ممثل أمريكا في «لجنة التوفيق الدولية الثلاثية حول فلسطين» (UNCCP)، التي ألفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة من ممثلي فرنسا وتركيا وأمريكا، وأقرها بروتوكول لوزان في 12/5/1949: فقد أعلن ممثل أمريكا في الاجتماع الذي عقد في بيروت بتاريخ 21/3/1949 «أن إسرائيل لا تقبل عودة اللاجئين، والخير أن تنفَّذ قرارات الأمم المتحدة عملياً بدلاً من التمسك بها نظرياً، وهناك حقيقة واقعة هي أن جميع اللاجئين لن يعودوا..
فيجب التفكير في إعادة استيطانهم وإعداد المشروعات اللازمة لعودتهم إلى الحياة». وخطة ماك جي مستشار وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط قُدمت في آذار (مارس) عام 1949 من «لجنة التوفيق الدولية» عبر الإدارة الأمريكية، داعياً فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة إلى تقديم المساعدات الكفيلة بإنشاء مشاريع تنموية، تعمل على احتواء اللاجئين وتوطينهم حيث هم، وتعهّدت أمريكا بتحمل نفقات التوطين كاملة، مع الاكتفاء بإعادة مئة ألف منهم إلى فلسطين. واشترطت «إسرائيل» للقبول بإعادتهم اعتراف الدول العربية بها، مع توطينهم حيثما يتفق ومصالح «إسرائيل»، واعتباراتها الأمنية، ثم عادت «إسرائيل» ورفضت الخطة.
المثير للجدل هو أن «لجنة التوفيق الدولية» كانت مهمتها أساساً توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين وتنفيذ القرار الرقم 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين والتعويض واستعادة الممتلكات، فمن أصل 15 بنداً من القرار 194 خصص 11 بنداً للحديث عن دور اللجنة (2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 10، 12، 13، 14)، إذاً كيف تكون أمريكا إحدى الدول الثلاث التي تألفت منها لجنة التوفيق الدولية، وفي الوقت ذاته تقدم خطة لتوطين اللاجئين في الدول المضيفة؟
بعد أن فشلت خطة ماك جي، أرسلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة «للاستقصاء الاقتصادي في الشرق الأوسط» عرفت ببعثة الأمريكي «جوردن كلاب»، وأصبحت لجنة الاستقصاء لجنة فرعية من لجنة التوفيق الدولية، وعُهد إليها القيام بدراسة للأحوال الاقتصادية للبلدان العربية، والإرشاد ببرنامج التنمية المناسب لاستيعاب اللاجئين، وقدمت اللجنة تقريرها للجمعية العامة بتاريخ 16/11/1949، تزامناً مع التحضيرات لإطلاق عمل الأونروا رسمياً، وقد وافقت الجمعية العامة على برنامج الأشغال الذي تقدمت به اللجنة في كانون الأول (ديسمبر) عام 1950، وأوصت وكالة الأونروا بتأسيس صندوق لدمج اللاجئين من 49 مليون دولار تساهم فيه أمريكا بنسبة 70% لإقامة مشاريع تنموية في فترة لا تتعدى 18 شهراً..، ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول المانحة لجهة نسبة مساهمتها المالية الطوعية للوكالة الدولية!
في المراحل الأولى لإنشائها، حاولت الأونروا الخروج عن مهماتها الرئيسية «تقديم الإغاثة المباشرة وإقامة برامج تشغيلية للاجئين الفلسطينيين»، فبدأت بحرمان اللاجئين الذين هم خارج مناطق عملها أية خدمات، وبالتالي حقوقهم كلاجئين، وهذا يتساوى مع رؤية الاحتلال الإسرائيلي والنظرة الأمريكية لمستقبل اللاجئين، ثم بدأت بتقديم القروض في محاولة لدمج اللاجئين في أماكن وجودهم من خلال إيجاد أعمال تغنيهم عن الأونروا، وهذا يتضمن تجاوز حق العودة بالتشغيل الذي يؤدي إلى التوطين، وحين فشلت في تحقيق ذلك عمدت إلى تحسين حياة اللاجئين من خلال إعطائهم قطع أرض وقروضاً بهدف توطينهم تحت بند «الخطة السحرية سنة 1959» التي كان هدفها توطين 60% من اللاجئين في الأردن وسورية ولبنان، وحين فشلت استمرت في إعطاء القروض وظل الغرب مستمراً في تقديم المساعدات للأونروا حتى إيجاد طرق كفيلة في برامج توطين جديدة ومنظمة.
الأونروا واتفاقية أوسلو
بعد التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993، أطلقت الأونروا في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه «برنامج تطبيق السلام» بتمويل من 22 دولة مانحة، وقد بلغت موازنة البرنامج التي وضعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة بمقدار 83.5 مليون دولار، وكان أبرز أهداف هذه الخطوة إشعار اللاجئين الفلسطينيين بأن السلام سيأتي مع أوسلو، وبالتالي يصبح سعي اللاجئين إلى الخدمات الإنسانية على حساب حقهم في العودة وقبولهم بالتوطين حلاً نهائياً لقضيتهم، إلا أن هذا الأمر أيضاً باء بالفشل وأثبتت السنوات فشل أوسلو وأن تحسين الخدمات الإنسانية لا يمكن أن يكون البديل للعودة، وهذا ما بينه الاستطلاع العلمي الذي أجراه «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات» بتكليف من «منظمة ثابت لحق العودة» من 3 إلى 9 نيسان 2009، إذ كشف أن 87.6% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يرون أن «توفير الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين يساهم في رفض التوطين وتكريس حق العودة، لا العكس».
الموقف الإسرائيلي من الأونروا
ولمعرفة أهمية دور الوكالة الدولية وسعي الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء خدماتها كشاهد حي على جريمة النكبة، تكفي الإشارة إلى ما ذكرته وثيقة يوسي بيلين- أبو مازن التي وقعت في سويسرا في نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 1995، وأعلنها بيلين في 31/7 و29/11/1996 بأنها ستكون مرجعاً مهماً للمفاوضين السياسيين لمرحلة الحل الدائم. فقد ورد في البند الرابع من الوثيقة «تَحِل هيئة دولية جديدة محل وكالة غوث اللاجئين الأونروا لتعمل على إعادة تأهيل وتأمين استيعاب اللاجئين في دول وأماكن إقامتهم، والعمل على تطوير الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية وتذويبهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي يعيشون في محيطها وتتكفل حكومة حزب العمل التعامل ثنائياً مع الدول المعنية والأطراف الدولية الراعية، من دون صخب أو ضجيج إعلامي حتى لا يشكل ذلك إحراجاً للسلطة، وممارسة الضغوط الكفيلة بانتزاع المواقف الدولية الداعمة لهذا الهدف بالتعاون مع الدول المضيفة لضمان إغلاق الملف نهائياً». ولسنا ببعيدين عمّا لخّصه بيلين لرؤيته لحلّ في 23/6/2008 في معهد كارنيجي الأمريكي، فقد دعا إلى «حل الوكالة الدولية (الأونروا) واستبدالها بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)».
كندا أوقفت تبرعاتها
بعد مرور أكثر من ستين عاماً على إنشاء الأونروا، مع ما يرافقه من تصريحات، آخرها ما ورد على لسان المفوض العام الجديد للأونروا فيليبو غراندي بأن الأونروا تواجه عجزاً مالياً مقداره 140 مليون دولار، وأن هذا العجز «سيُسهم في تراجع الخدمات المقدمة للاجئين في مناطق عمليات الأونروا الخمس»، وبعد إعلان كندا رسمياً في شهر شباط (فبراير) 2010 وقف المساعدات التي كانت تقدمها للأونروا سنوياً بحجة أن «الأموال تذهب إلى حركة حماس، وأنها تساهم في دعم المناهج الدراسية التي تحضّ على الكراهية لإسرائيل»، الأمر الذي نفته حماس ونفته الأونروا، ما سيفتح شهية بعض الدول المانحة الأخرى على المزيد من الخطوات لوقف الخدمات أو تقليصها بحجج مختلفة مثل الازمة الاقتصادية العالمية، وهذا ما ترجم عملياً في مؤتمر فيينا في 23/6/2008 وخصص لجمع التبرعات لإعادة إعمار مخيم نهر البارد في لبنان، إذ تعهدت الدول المشاركة بدفع 122 مليون دولار من أصل 455 مليون دولار طلبتها الأونروا. ومثل «إزعاج» الاحتلال الاسرائيلي من خلال تقديم بعض الخدمات، وهذا سيمهد الطريق لممارسة المزيد من الضغوط وخنق الوكالة الدولية وصولاً إلى تصفيتها والقضاء عليها، والانتقال لاحقاً إلى مرحلة «تقديم التبرعات المشروطة» خدمة لوجهة النظر الإسرائيلية الأمريكية للسلام الأحادية الجانب. لهذا نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تقوم الدول العربية بملء الفراغ المالي الحاصل وزيادة نسبة تبرعاتها للوكالة الدولية بما يزيد على 8% (المساهمة العربية في صندوق الاونروا –للأسف- أقل من 2%، وفقاً لمتحدثين رسميين باسم الأونروا)، وتستطيع القيام بذلك إذا توافرت الإرادة، وإما بسبب عدم وجود توصيف دقيق لخدمات الأونروا منذ نشأتها، يقول خبراء القانون الدولي بأنه يحق للجمعية العامة للأمم المتحدة بحث إمكانية توسيع خدمات الوكالة الدولية، بحيث تكون موازنة الأونروا – كاملة - جزءاً من ميزانية الأمم المتحدة، تماماً كأي مؤسسة دولية أخرى. وهذا لا يتحقق إلا من خلال برامج ضغط ومناصرة من المنظمات الدولية غير الحكومية وبمساعدة من بعض الدول (تكفي دولة واحدة وفقاً للقوانين المرعية) تجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتعديل في السياسات وفق المتغيرات.
استطلاع رأي اللاجئين
في ظل تلك المعطيات، لا بد من التذكير بالاستطلاع العلمي الذي أجراه كل من مركز العودة الفلسطيني في لندن وتجمع العودة الفلسطيني «واجب» في سورية ومنظمة ثابت لحق العودة في لبنان بين 17 و25 تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2009 وشمل عيّنة من 1460 لاجئاً فلسطينياً في سورية ولبنان، وأعلنت عن نتائجه في المؤتمر الذي نظمه في لندن مركز العودة الفلسطيني في الذكرى الستين لتأسيس الأونروا في 16/12/2009، الذي أشار إلى أن 92% من المستطلعين يؤيدون استمرار الأونروا بتقديم خدماتها، رغم أن 70% من المستطلعين غير راضٍ عن الأداء، و86% يرون الخدمات غير كافية و64% يرون تراجعاً كبيراً في تقديمها، الأمر الذي يشير إلى مستوى الوعي وإلى أن تمسك اللاجئ الفلسطيني بالأونروا وبإبقاء على خدماتها، ليس على أساس خدماتي إنساني فقط، بل كشاهد دولي على جريمة النكبة ووجود قضية اللاجئين وحقهم في العودة وتحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاههم.