المؤتمر الدولي الذي عقد في الجامعة الأميركية في بيروت بتاريخ الثامن والتاسع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2010، بعنوان «من الإغاثة إلى التنمية الإنسانية: الأونروا واللاجئون الفلسطينيون بعد ستين عاماً»، قد يؤسس لمرحلة جديدة على مستوى مستقبل اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، في ظل ما تقدمه الأونروا من خدمات واستراتيجية عمل في السنوات الخمس المقبلة القائمة على «التنمية البشرية». ويعود هذا الاستنتاج لأهمية المحاور التي بُحثت ونوعية المشاركين الذين حضروا من مختلف دول العالم، وتمثلت بفريق عمل الأونروا على مستوى المفوض العام ونائبته ومديري الأقاليم وممثلين عن اللاجئين في الدول المضيفة، ومؤسسات المجتمع المدني وممثلين عن الأمم المتحدة، فضلاً عن مختلف الشخصيات الأكاديمية من جنسيات مختلفة ومؤسسات بحثية دولية. فعنوان التنمية البشرية أثار قلق الكثيرين ممن حضروا المؤتمر ومخاوفهم، وخاصة السيد علي مصطفى رئيس الهيئة العامة للاجئين العرب الفلسطينيين في سورية الذي قال إن على الأونروا أن لا تتخلى عن الهدف الذي تأسست من أجله «غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» على حساب التنمية البشرية، وإن التنمية البشرية يجب أن تكون بالتكامل مع الإغاثة والتشغيل إلى حين تطبيق العودة إلى الديار والممتلكات التي هُجر الشعب الفلسطيني منها إبان النكبة عام 48.
الشاهد الحي
رغم أهمية المحاور التي طرحت وناقشت خدمات الاونروا في الأقاليم الخمسة، والتحديات في البرامج وتقديم الخدمات ومفهوم الحماية والحكم والإدارة في المخيمات والمشاركة المدنية والمجتمعية والإعمار والتنمية الاجتماعية، يبدو أن خلاصة المؤتمر تنحصر في بحث محور «اللاجئون الفلسطينيون والحلول الدائمة: دور الأونروا»، المحور الذي نوقش في اليوم الثاني وتحدث فيه على نحو رئيسي كل من روبير دان، رئيس وحدة الشؤون الإقليمية في مكتب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الاوسط في الأمم المتحدة، وعمل كذلك مساعداً لبان كي مون، والسيدة ليلى هلال، مستشارة الأونروا. فبناءً على ما تقدم من عرض خلال الجلسة، يتضح أن الأونروا بدأت تمثّل عنصر إزعاج حقيقي للمجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة، وكذلك للاحتلال الإسرائيلي على حد سواء، وأن الهدف المتوقع من إنشاء الأونروا من قبل الأمم المتحدة قد بدأ تعارضه أكثر وضوحاً مع التطورات السياسية في المنطقة التي لم تستطع أن تفرض متغيرات جوهرية على أداء الوكالة الدولية، من تكريس للشهادة الحية على جريمة النكبة وحيوية بقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وتمسكهم بحق العودة، وبالتالي لم يفلح تقديم الخدمات الإنسانية – بعد 62 سنة من عمر النكبة - من تذويب اللاجئين في الدول المضيفة تسهيلاً للتوطين ونسيان حق العودة، وبقيت الأونروا واللاجئون الفلسطينيون متمسكين باستمرارية تقديم خدماتها (92% حسب استطلاع للرأي أجراه مطلع العام الحالي كل من مركز العودة الفلسطيني في لندن وتجمع العودة الفلسطيني «واجب» في سورية ومنظمة ثابت لحق العودة في لبنان) حتى زوال السبب الذي من أجله أنشئت.
إنهاء الخدمات مطلب إسرائيلي
سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى تقليص خدمات الأونروا، تمهيداً لإنهاء وجودها ورفع الغطاء القانوني عن قضية اللاجئين التي تمثّل الأونروا أبرز مظاهرها. فقد طلب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي السابق سلفان شالوم من كارين أبو زيد المفوضة العام السابقة للأونروا بتاريخ 8/11/2005 إنهاء الوكالة لخدماتها وتحويلها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وتوطينهم توطيناً دائماً لمنع عودتهم إلى فلسطين المحتلة عام 48.
إذا كان من الصعوبة إنهاء خدمات الوكالة خدمةً للتحولات في المنطقة، غير مبتعدين عن تصريحات شالوم، وما يجري من استعداد في الكونغرس الأمريكي من نقاش لوقف الدعم المالي الأميركي للأونروا، فإن ما يجري حالياً على نحو تدريجي كما يتحدث الكثيرون هو العمل على تحويل خدمات الأونروا إلى تعزيز مفهوم التنمية البشرية للاجئين على حساب برامج الإغاثة والتشغيل، وصولاً لإنهاء خدماتها كاملاً وتحميل مسؤولية اللاجئين إلى الدول المضيفة بدعم من الأمم المتحدة.
فقد ذكر روبير دان أن منظمة التحرير هي التي تتحدث باسم اللاجئين حالياً، وهي التي تفاوض اليوم بالنيابة عنهم للحل الدائم، وأن الحل الأمثل هو حلّ الدولتين، وأنه يتطلع إلى إشعال نار الأمل بالنسبة إلى اللاجئين من خلال المفاوضات المباشرة التي تجري حالياً بين نتنياهو وأبو مازن، وأن الخلافات أدت دوراً كبيراً في تكريس الانقسام الفلسطيني والتأثير على الفلسطينيين عموماً، لكن لم يأت السيد روبير على ذكر الاحتلال الإسرائيلي وتحمّله لمسؤولية لجوء الفلسطينيين، الأمر الذي أثار حفيظة بعض المشاركين الذين انتقدوا روبير لأنه لم يتطرق، ولو تلميحاً، إلى مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن لجوء الفلسطينيين، وأن حل الدولتين يعني أن لا عودة للاجئين، وقد يؤدي أيضاً إلى تفريغ ما بقي من الفلسطينيين داخل فلسطين 48، وأن حق العودة من الحقوق غير القابلة للتصرف، وبالتالي لا يحق لأي كان التفاوض بالنيابة عن اللاجئين الذين لم يفوّضوا إلى أحد التنازل عن حق العودة.
المطلوب مرونة اللاجئين!
تحدثت السيدة ليلى هلال عن أن مشكلة اللاجئين في العودة يتحملها اللاجئون أنفسهم الذين يجب ألا يعتبروا حق العودة من المحرمات التي لا يمكن المساس بها. ومن تجارب السيدة هلال في العمل مع اللاجئين في مناطق مختلفة من العالم، تستنتج أنه «يجب أن يكون هناك تسويات»، وطرحت خيارات العودة أو التوطين أو الانتقال إلى بلد ثالث، وأنه يجب التفكير ببدائل.. الأمر الذي أثار حفيظة بعض المشاركين الذين ذكّروها بأن «التابو» موجود لدى الاحتلال الإسرائيلي الذي يرفض أن يضع ملف عودة اللاجئين على الطاولة، وبالتالي فإن الانتقاد يجب أن يُوجه إلى الاحتلال الإسرائيلي لا إلى اللاجئين، وأن اللاجئين الفلسطينيين لا يقبلون إلا العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، وأن هذه المنطقة لن تنعم بالسلام أو الاستقرار إلا بتطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وهناك من أثار قضية المخيمات، ودعا إلى إزالتها ضمناً، لكون المخيمات مطلباً صهيونياً يلبي حاجة من يرغب في قهر اللاجئين واستمرار معاناتهم. الأمر أيضاً استدعى رداً من المشاركين «إننا كلاجئين متمسكون بالمخيم كعنوان سياسي لقضية اللاجئين والعودة، ولكن أن يعيش اللاجئ في المخيم، هذا لا يعني أن يكون هناك بطالة بنسبة 60% أو اكتظاظ سكاني بنسبة 315% أو نسبة فقر تزيد على الحد المتعارف عليه عالمياً 12% أو نسبة تسرب مدرسي 18%».
واللافت أيضاً في قضية المخيمات الحديث عن أهمية الفصل بين مؤسسات المجتمع المدني والفصائل الفلسطينية في إدارة المخيمات في لبنان، وأن الانتخابات يجب أن تشمل حصراً مؤسسات المجتمع المدني ومستقلين «لأن الشعب الفلسطيني في وادٍ والفصائل في وادٍ آخر»، ما أثار حفيظة مشاركين في المؤتمر على تفصيل نظام الحكم في أروقة بعيدة عن المخيمات، وخاصة أن «الأهالي في مخيم نهر البارد –مثلاً- يرغبون أن تُشكّل مرجعية المخيم من اللجنة الشعبية التي تمثل الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني ومستقلين، وإيجاد علاقة مع مراكز للدولة اللبنانية خارج المخيم، وهذا حال بقية المخيمات في لبنان».
تجربة بناء مخيم النيرب
تحدثت السيدة نيل غامبيان، وهي زميلة في مركز دراسات العرق والسياسة والثقافة في جامعة شيكاغو عن تجربتها كمتطوعة في بناء مخيم النيرب في حلب وإعادة اللاجئين إليه. وشدّدت على أن تحسين ظروف المخيم لم تتعارض بأي حال من الأحوال مع حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، بل ساعدتهم على التخلص من الكثير من المشاكل الاجتماعية، وأوردت شهادات من بعض أبناء المخيم «إذا أردتم مساعدتنا فعلاً كأمم متحدة، فعليكم أن تسهّلوا عودتنا إلى بلادنا»، منبهة إلى أن على الأونروا أن تراعي الأوضاع الإنسانية في تقديم خدماتها للاجئين، وعليها في المقابل ألا تغفل عن أن تلك الخدمات تؤثر على الوضع السياسي، وأن عليها أن تلحظ في أثناء تقديم خدماتها حق اللاجئين بالعودة «وهذا ما لمسته من خلال تجربتي الميدانية» كما قالت. اقترح البعض من المشاركين في المؤتمر أن تقدم السيدة غامبيان مداخلتها وتجربتها أمام البرلمان اللبناني والحكومة اللبنانية للعمل على إبعاد هواجس اللبنانيين من أن توفير الحقوق المدنية لا يعني التوطين ولا يلغي حق العودة.
تحديات المؤتمر
تحدثت بعض منظمات المجتمع المدني عن أن لديه مخاوف وقلقاً من مخرجات المؤتمر، فشعار «السلام يبدأ من هنا» مرفوع على المنصة، وفي ظل عدم الحديث عن تحمل الاحتلال الاسرائيلي لمسؤولية اللجوء وأن التابو موجود لدى اللاجئين الفلسطينيين، وحديث المفوض العام فيليبو غراندي عن تفهمه لحاجة «اسرائيل» للأمن في مؤتمر بيرزيت في 4/10/2010، مع عدم تفهمه لعودة أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني، فهذا حقيقة مقلقة في ظل التنمية البشرية المرجوة بعد خمس سنوات. لكن تضيف بعض المؤسسات المشاركة بأنه لو بقي لاجئ واحد على قيد الحياة فسيستمر بالمطالبة بحقه في العودة، وما ضاع حق وراءه مطالب. والأونروا اليوم أمام تحدٍّ ومسؤولية لتوضيح معنى التنمية البشرية التي جرى إدخالها على الاستراتيجية ولتبديد مخاوف اللاجئين..
المصدر : مجلة العودة