منظمة ثابت لحق العودة
 
الصفحة الرئيسية من نحن إتصل بنا
حراك ثابت
أخبار ثابت
بيانات ثابت
حراك إعلامي
إصدارات ثابت
محطات على طريق العودة
تقارير ثابت الإلكترونية
إبداع لاجئ
أرشيف ثابت
صدى اللاجئين
حملة انتماء
حملة العودة حقي وقراري
مبادرة مشروعي
مقالات العودة
تقارير وأبحاث
انضم لقائمة المراسلات
 
 
صفحتنا على الفايسبوك
عضوية منظمة ثابت في إتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي
 
ما بين الاعتراف بـ"إسرائيل" وحق العودة
ساري عرابي - رام الله
كان من الطبيعي أن تثير تصريحات الرئيس محمود عباس للقناة الثانية الصهيونية بشأن حقه في العودة إلى مسقط رأسه صفد، جدلاً واسعاً، اتسم لدى الرافضين لهذه التصريحات بالاستهجان الممزوج بالحزن والمرارة، بينما حاول أنصار الرئيس محمود عباس نقل الجدل إلى هجوم على حركة حماس تارة، أو تفسير تصريحاته على نحو يخالف منطوقها ومفهومها، تارة أخرى، بل وجعلها فتحاً وطنياً جديداً لشعبنا وقضيتنا، واختراقاً عظيماً للمجتمع الصهيوني، وتوجيهاً ذكياً لخيارات الناخب الصهيوني!وإذ كان موقف المدافعين عن تصريحات الرئيس، له دلالاته المحزنة، حيث ينبغي أن تكون الثوابت الوطنية الأساسية، وفي مقدمتها حق العودة، مقدمة على أي خصومة سياسية داخلية، أو عصبوية حزبية، أو مصالح فئوية، ولا يجوز أن يستغفل المواطن الفلسطيني بشأنها، فإن بعض المستهجنين لتصريحات الرئيس كانت لهم مقولات عجيبة، وتصورات غريبة.
فهل أُسقط حق العودة اليوم في هذه التصريحات؟! أم أُسقط منذ زمن بعيد؟! والحديث هنا ليس عن بعض الوثائق التي عرفت باسم بعض الشخصيات، أو التفاهمات غير الرسمية؛ العلنية والسرية، بل الحديث هنا متعلق بجوهر المشروع السياسي لمنظمة التحرير بقيادة عرفات في حينه، ثم أبو مازن، الذي تبلور في صيغة اتفاق أوسلو، وقام أساساً على بعض القرارات الدولية المصادرة للحقوق الفلسطينية الأساسية.
المقصود هنا تحديداً، هو الاعتراف بدولة "إسرائيل"، حيث إن منح "إسرائيل" الشرعية - من طرف صاحب الحق الأصلي- على كامل ما احتل من فلسطين عام 48، في حد ذاته، له انعكاساته العملية وتكييفاته القانونية التي يمكن الاحتلال اجتراحها، على بقية جوانب الحقوق الفلسطينية الأخرى، وقد زادت خطورة هذه الانعكاسات –بطبيعة الحال - حينما لم يكن الاعتراف متبادلًا، بمعنى أن قيادة منظمة التحرير في حينه ممثلة بعرفات اعترفت بدولة الاحتلال بناءً على القرار الأممي 242، بينما لم تعترف دولة الاحتلال إلا بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، ما أخرج فلسطين المحتلة عام 48 من الصراع، وأبقى ما احتل عام 67 متنازعاً عليه، ما أطلق يد الاحتلال في تغيير معالمه من خلال التهويد وبناء المستوطنات وفرض الوقائع الجديدة، بينما لم يعن اعتراف الاحتلال بمنظمة التحرير سوى منحها الحق الحصري في التفاوض معه بخصوص الصراع.
وإذا كان مشروع السلطة الفلسطينية، قد حظي - في حينه - بدفع دولي، وإقليمي، ولقي قدراً من التعاطف الشعبي الفلسطيني، وخاصة مع الآمال العريضة التي بنيت على هذا المشروع من بعد نضال وتضحيات عقود، وتمتع السلطة ببعض المظاهر السيادية، التي كان يتوق لها الفلسطيني، بل كان يسجن ويقتل لأجلها، من قبيل رفع العلم الفلسطيني، والنشيد الوطني الفلسطيني، وجواز سفر خاص به، ورؤية الفدائيين بأسلحتهم داخل فلسطين، فإن هذا المشروع سرعان ما انكشف على خواء، وظهرت رموزه السيادية بلا قيمة، فلم تعد المشكلة أن ما احتل من فلسطين عام 67 لم يتحرر وحسب، بل ازداد حضور الاحتلال فيه وتجذره، وتكاثرت الإجراءات الاحتلالية التي مزقت الضفة الغربية وعرقلت اتصال الفلسطينيين بأرضهم، وببعضهم، وعزلت القدس تماماً عن محيطها في الضفة، وقطعت الصلات مع ما احتل من فلسطين عام 48.
فمشروع السلطة، لم يحقق هدفه الأساسي، وهو تحرير ما احتل عام 67، بل كرس الاحتلال وجوده في هذه المنطقة "المتنازع عليها"، فكيف يمكن هذا المشروع أن يعيد اللاجئين إلى أرضهم، وهو العاجز عن تحقيق ذاته؟! ولنتذكر أن قضية اللاجئين في اتفاق أوسلو أُجّلت إلى قضايا الحل النهائي، الذي لم يصل إليه المتفاوضون بعد، وقد طالت المرحلة الانتقالية إلى ما يقارب عشرين عامماً! فالثوابت الوحيدة خلال العشرين عامماً هذه هي استمرار السلطة، وبقاء الاحتلال، وغياب القدس واللاجئين!
الحديث هنا ليس عن نتائج أوسلو، بقدر ما هو عن الكوارث الوطنية التي ترتبت على الاعتراف بـ"إسرائيل"، والسؤال المتعلق بقضية اللاجئين في هذا السياق، لا يقتصر فقط على جعل هذه القضية مرهونة بإنجاز الفترة الانتقالية التي طالت عشرين سنة حتى الآن، بل في فكرة جوهرية، تجعل "إسرائيل" بسكانها المستوطنين الطارئين على أرضنا، شرعية، على نفس الأرض التي هُجّر منها أصحابها الأصليون، فمنح الشرعية للمغتصب في جانب منه يصادر الحق من صاحبه الأصلي، الأمر الذي يقلب الحقائق كلها، فحينما يصير الطارئ المغتصب شرعياً، فهذا يعني أن الفلسطيني الذي طرد من أرضه وبقي فيها كان مغتصباً لحق هذا اليهودي العائد إلى أرضه. نعم، لم يقصد من اعترف بـ"إسرائيل" أن تفسر الأمور على هذا النحو، لكن هذه نتيجة منطقية لجعل المغتصب الطارئ شرعياً، وهو- على الأقل - اغتيال معنوي لأصحاب الحق الأصليين الذين هجروا وطردوا من أرضهم، حينما يُعتبر من طردهم وهجرهم شرعياً.
في الجانب العملي، هذا الكيان، وبعد أن اعترفنا بشرعيته على ما احتل من فلسطين عام 48، كيف لنا أن نحدد له شكله، وطبيعة سكانه، ومن يرجع إليه، ومن يحمل جنسيته، وكيف يعرّف نفسه؟ فمن حيث الأصل، ما الذي يعطينا هذا الحق، ولم تعد فلسطين التي احتلت عام 48 أرضنا، وصار مغتصبها شرعياً؟! فكيف الحال ونحن الطرف الضعيف في معادلة الصراع، والأقل قدرة على نحو غير متقارب في التأثير على طرف الصراع الآخر؟! هل نملك أن نحدد له شيئاً يتعلق بكيانه؟! وإذا كانت الفجوة واسعة من حيث القوة والقدرة والتأثير بين الطرفين لمصلحة العدو حين توقيع الاتفاق، فإنها صارت أوسع، حينما ألقى الطرف الفلسطيني كل أوراقه، وصار عديم القدرة تماماً؛ فالاعتراف بشرعية كيان العدو، كما سبق بيانه، ينعكس على القضايا الجوهرية الأخرى، كحق العودة، والوجود الفلسطيني الباقي داخل الأراضي المحتلة عام 48، ويزداد الأمر سوءاً في كون الاعتراف غير متبادل، ما أطلق يد الاحتلال تماماً داخل الضفة الغربية والقدس، ومع التخلي عن المقاومة، وارتباط السلطة بمشروع التسوية الذي انشأها، وبمتطلباته وشروطه، صارت السلطة وحزبها القائد المتمثل بحركة فتح أكثر عجزاً عن فعل أي شيء في أبسط القضايا، فكيف بقضية اللاجئين؟!
فالذين تفاعلوا مع هذه التصريحات بهذا القدر الكبير من الاستغراب، يثيرون بدورهم الاستغراب، وخاصة أولئك الذين تحدثوا وكأن هذه هي المرة الأولى التي تمسّ فيها الثوابت، ذلك أن حق العودة، لم يشطب في هذا اللقاء، ولم يشطب في ما عرف من مبادرات ولقاءات ووثائق، لكن شطب حين الاعتراف بشرعية  كيان العدو على الأراضي التي هجر منها أصحابها الأصليون، وإذا لم يكن التنازل عن القسم الأكبر من فلسطين تنازلًا عن أهم الثوابت الوطنية، فماذا يكون؟!
فالرئيس الفلسطيني، وهو يقول إنه ليس من حقه العيش في صفد، منسجم مع نفسه تمام الانسجام، وهو يستحق التقدير من زاوية هذه الصراحة التي تبيّن جوهر مشروع التسوية، فكيف له أن يفرض على دولة أخرى اعترف بشرعيتها أن تقبل به مواطناً فيها رغماً عنها؟! وبالتالي كيف له أن يفرض الملايين من أبناء شعبه مواطنين في دولة أخرى؟! وهذا تماماً يشبه ردّ الرئيس الفلسطيني على طلب نتنياهو من السلطة بالاعتراف بيهودية دولة "إسرائيل"، حينما قال: "هذه القضية لا تخصنا، نحن نعترف بدولة اسمها إسرائيل، وهي عليها أن تقرر ماذا تطلق على نفسها دولة يهودية أو علمانية أو ديموقراطية أو ذات عدة ألوان، هذا هو شأنهم"، وهذا يعني أن مجرد الاعتراف بـ"إسرائيل" هو اعتراف بصفتها التي تختارها لنفسها؛ لأن تحديد تلك الصفة لا يخص أحداً خارجها، وهذا مما يفضي إلى تهديد للوجود الفلسطيني الباقي داخل أراضي عام 48، ومس بحق العودة. بيد أن غطرسة الاحتلال جشعة إلى الحد الذي يطالب الفلسطينيين بمزيد من الاعترافات والتنازلات التي تشطب كل حقوقهم على نحو قاطع ونهائي لا يقبل التأويل! 

والحق أن هذه البدهية الناتجة من الاعتراف بـ"إسرائيل" معلومة لدى قادة مشروع التسوية من الطرف الفلسطيني، ودلت عليها كل تلك المبادرات، والوثائق، العلنية، والسرية، التي تتحدث عن عودة اللاجئين، أو بعضهم، إلى أراضي الدولة الفلسطينية المأمولة، وثمة تصريحات علنية كانت تتحدث عن إمكانية استيعاب اللاجئين في مباني المستوطنات بعد رحيل الاحتلال عنها!
ومع ذلك، لم يكتفِ الاحتلال والقوى الدولية والإقليمية المتحالفة معه باعتراف منظمة التحرير هذا، رغم أن هذه المنظمة حظيت بالحق الحصري في تمثيل الشعب الفلسطيني، فعملت على انتزاع مثل هذا الاعتراف من حركة حماس، وجعلته شرطاً للاعتراف بنتائج الانتخابات التي فازت فيها عام 2006، وهو ما يكشف عن أهمية مثل هذا الاعتراف، وماذا يمكن أن يبنى عليه في إسقاط بقية الحقوق الفلسطينية. ومع الأسف، وفي حينه، وفي ظل أزمة حركة حماس الخانقة بفعل الحصار والمقاطعة، ظهرت بعض النصائح والفتاوى والأفكار التي تسهّل لحماس هذه المهمة الخطيرة في سبيل إنجاح تجربتها، وكأن نجاحها في الحكم مقدم على أهم الثوابت الوطنية، وأهم الأوراق التي لا تزال تحتفظ بها حركة حماس، ولهذا حديث آخر إن شاء الله.♦
 
جديد الموقع: