لم يكن الأحد الماضي عابرا. نقطة سوداء تسجل بحق إسرائيل التي اعتدت على الزاحفين إلى فلسطين، وعار سيظل يلاحق كل من سولت له نفسه الوقوف بين الحلم والواقع، والحد من حركة الزاحفين إلى فلسطين والوقوف ولو ساعة أمام فلسطيننا المغتصبة.
لم يكن الزاحفون في ذكرى احتلال فلسطين الثالثة والستين يحملون بنادق ولا رشاشات ولا أيا من أنواع الأسلحة التي تواجه الجيوش بها بعضها، حتى أن أيا منهم لم يحمل هراوة أو حجرا، فقط كانوا مسلحين بالحلم، الذي تفصلهم عنه بضع خطوات. وأيضا لم يكن في وارد ذهن الزاحفين اختراق السياج، بل كانوا يسجلون في أول خطوة للزحف المقبل، بأن فلسطين ليست بعيدة، وأن إسرائيل هشة، وأنها لم تعد تخيف أحدا في زمن الثورات. نعم، كان الزاحفون ممتلئين بالقوة والحياة، لأنهم تخلّقوا في رحم لحظة كشفت لهم أن حلمهم لا يمكن له أن يتحقق إلا بإنتاج فعل، يرتقي بالروح والإنسان، ويرفع من سويته، حتى لا يكون هذا الإنسان بعيدا عن إنسانيته.وحتى لا يبدو الأمر مراوغا، فإن المناداة بعد اليوم بتحرير فلسطين ستأخذ شكلا جديدا ومختلفا، وذا طعم لم تعهده الأمم، ولا الشعوب، ولا إسرائيل التي تتقوقع على ذاتها، وتلهث كفأر في حديقة القطط. وسيكون كل ما هو متوقع في فكر التحرير الجديد، بعيدا عن أي توقع، وبعيدا عن رهبة أو ترهيب.كان زحف الخامس عشر من أيار (مايو) لهذا العام إلى فلسطين على خطوط التماس مع العدو، واثقا من عدته، وقادرا على كشف وهننا. أسس الزحف لمنطقة وعي ستفجر منظومات من الوعي المتقدم على كل ما صيغ سابقا عن فكرة التحرير. فمن كان يصدق أن فلسطين يمكن أن تكون سهلة المنال كما كانت عليه الأحد الماضي، ومن كان يصدق أن مجرد دعوة على "الفيسبوك".. دعوة بحجم بضعة أسطر وكلمات، ستؤسس لفكرة، يتبعها الملايين. الأحد الماضي، كان فاضحا لزمن، تم ترهيبنا فيه بأن إسرائيل قوة لا تضاهى، فانكشف الغشاء الواهي عنها، وتكشف العجز الرسمي العربي أمام هذا الغشاء، ليبدو جيل الزاحفين الجدد، أعلى من كل أحلامنا وأبعد عن كل توقعاتنا، وأكثر تماسكا وقوة منا.